لؤي كيالي بأعين الفنانين الشباب
حلب- غالية خوجة
تمتع التشكيلي الحلبي لؤي كيالي (1934-1978) بإبداع جعله ينطلق من المحلية إلى العالمية، وكم من لوحات له عرضت في مزادات مختلفة، منها مزاد كرسيتيز الشهير، وبيعت بعضها بأسعار تنافس أسعار لوحات الفنانين العالميين من عرب وأجانب.
البسطاء رواية كيالي اللونية
الملفت في أعماله اهتمامه بالبسطاء من بائعي السلع إلى النساء وهن يغزلن الصوف أو يغسلن أو كونهن أمهات، بينما تخفي كل لوحة من لوحات الشخصيات قصة ترويها ملامح أبطالها، ويومياتهم في رحلة البحث عن قوت يومهم، أو معاناتهم الداخلية والموضوعية.
ملتقى حواري وجداريات فنية
ولإضاءة تجربة لؤي كيالي للأجيال الشابة، أقيم ملتقى باسمه في صالة تشرين- مديرية الثقافة بحلب بالتشارك مع مركز فتحي محمد للفنون التشكيلية، تضمن ورشة رسم مباشر، وجدارية بانورامية جماعية مستوحاة من عالم كيالي، وجدارية تتفتّح فيها مواهبهم، إضافة إلى عمل كولاج فسيفسائي عن عمله.
وتضمن الملتقى الممتد لثلاثة أيام فيلماً توثيقياً عن حياته وأعماله، ومعرضاً لطلاب مركز فتحي محمد، الذين تدرّسهم وتشرف عليهم الشاعرة التشكيلية لوسي مقصود، إضافة لمحاضرة لها تمحورت حول عدة نقاط منها كون كيالي أسطورة بين العقل والجنون وحالته النفسية التي عاشها، وكيف شعر بإحساسه الإنساني الرهيف بالبائسين والباعة الجوالين، ولاسيما أنه كان ينتمي لطبقة أرستقراطية، طارحاً مواضيعهم بجمالية فنية لأنه كان يراهم بعين جميلة، ولفتت مقصود إلى اهتمامه بالمرأة وحضورها بخصوصية مميزة، فهو لا يعريها، بل على العكس، كان يرسمها مع رسالتها الإنسانية كأم وعاملة.
احترق مرتين
وأضافت مقصود: أسلوبه الفني متميز بطريقته وتقنياته المتفردة، مثلاً كان يعمل على الخشب، والنشارة المضغوطة، وبالفحم، ويعتمد على قوة الخط، أمّا ألوانه فتتمتع بشفافية ترابية عاكسة للدلالات اللونية بصفاء، والمؤلم أنه احترق مرتين كما في أسطورة جورجي أمادو، مرة أحرق كيالي لوحاته، ومرة هو احترق فعلياً بلفافة سيجارة وهو نائم، وتوفي بعمر صغير.
مدرسة فنية للأجيال
وعن هذا الملتقى قالت لـ”البعث” الفنانة نوران جبقبجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين- فرع حلب: أنا أحد طلاب كيالي الذين درّسهم في مركز الفنون التشكيلية وأهّلني لدخول جامعة دمشق التي كانت حلماً، وكان معيداً في هذه الجامعة، وحقق نجاحاً باهراً، وخرّج عدداً من الطلاب في قسم الرسم والتصوير، منهم وليد كموش، جلال كوسا، زهيد دباغ، ومن أهم أصدقائه حتى في عزلته عبد القادر بساطة.
وعن أهم ما يميّز أسلوبه الفني، أجابت: البساطة والميدانية، ومن أعماله، مثلاً، لوحته العالمية “ماسح الأحذية”، وسيظل كيالي مدرسة فنية على مرّ الأجيال.
بانوراما الحرب والسلام
أمّا الطلاب المشاركون فكانوا سعداء بين أعمال كيالي وأعمالهم، وأخبرتنا رنيم عفش- ماجستير دراسات أدبية بأنها تجربتها الأولى في الرسم بمعرض مشترك ولوحة مشتركة عن الحرب والسلام، عبّرنا عن تأثيرات الحرب على المرأة ثم كيف تزهر شجرة الحياة مع شقائق النعمان، وكيف بين الهجرة واللجوء يظهر السنونو ليعود معه الناس إلى الوطن.
إحياء بانورامي
بدورها، قالت سوزان إيشانو: إحياء لذكرى كيالي نرسم هذه البانوراما من وحي أعماله، وأجد أنه يتميّز بالتعبير عن الأمومة بخطوطه المائلة.
أمّا مزكين الأحمد فبرّرت محبتها للوحة بائع المزمار ومحاكاتها بأنها تحب المزمار والموسيقا، ولعله السبب ذاته الذي دفع لؤي كيالي ليرسم هذه اللوحة.
لؤي كيالي قصة بأثر رجعي
ساهم لؤي كيالي في النهضة الفنية في سورية وخارجها، منجذباً لعوالم الألوان مذ كان في سن الحادية عشرة، وشارك بأولى لوحاته في معرض بمدرسة التجهيز بحلب 1952، وتابع مسيرته مع الرسم وفاز بالجائزة الثانية 1955 في معرض جامعي وكان حينها يدرس بكلية الحقوق بجامعة دمشق، لكنه عاد إلى حلب وتوظف كاتباً في المعتمدية العسكرية، ثم أجرت وزارة المعارف السورية مسابقة وفاز فيها فأوفدته إلى إيطاليا ليدرس الرسم في روما- كلية الفنون الجميلة، وهناك شارك في العديد من المعارض والمسابقات وفاز بالجائزة الأولى في مسابقة سيسيليا، وتوالت الجوائز ليحصد الميدالية الذهبية للأجانب بمسابقة رافينـّـا 1959، ثم أقام معرضه الشخصي الأول في صالة لافونتانيللا، وشارك مع الفنان الكاتب فاتح المدرس بتمثيل سورية في معرض لابيناله- البندقية 1960، بعد ذلك، أقام معرضه الشخصي الثاني في صالة المعارض بروما، وعاد ليدرّس التربية الفنية في ثانويات دمشق، وليقيم معرضه الشخصي الثالث في صالة الفن الحديث العالمي بدمشق بثمانية وخمسين عملاً بين رسم وتشكيل.
والملفت أن اختصاصه الفني في الزخرفة ترك بصماته في أعماله المرتكزة على الواقعية السحرية بين الرومانسية والطبيعة الصامتة والواقعية والرمزية والواقعية السحرية، سواء في أعماله الطبيعية أو في لوحات البورتريه الحكائية وما ترويه ألوانها عن آلام أبطالها بصمت يشبه أنين الموسيقا في النايات.