“تيتانيك” الأوروبية تتحطم على جبل الجليد الروسي
هيفاء علي
يبدو أن الطاقم “الأوروبي” الذي يقود سفينة الاتحاد الاوربي يرى أن لا شيء يمكن أن يوقف مساره، ومقتنع، أو بالأحرى يتوهم بقدرته المطلقة على مواجهة المخاطر، ولكن يبدو أيضاً أنه يتجاهل حقيقة وجود جبل جليد يقترب من السفينة ويوشك على إغراقها. والسؤال هو معرفة ما إذا كان لا يزال داخل هذا الطاقم عضو عاقل ما يكفي لتجنّب الانهيار الذي يبدو أمراً لا مفر منه، فبالإضافة إلى نهج كره الأجانب المناهض لروسيا والذي تجلّى في ردود أفعال عدائية من الحكومات الغربية، والمنظمات، والجمعيات، فإن قادة الاتحاد الأوروبي غير المنتخبين من قبل الركاب يجازفون بجرّ الركاب إلى تحطم السفينة.
في هذا الصدد، يجب التذكير بأن الاتحاد السوفييتي السابق هو الذي هزم النازية الألمانية عندما ضحى بنحو 27 مليوناً من جنوده ومدنييه، وليس الأمريكيين الذين ينسبون ذلك الفوز إليهم ويتفاخرون به. واليوم، ونتيجة للصبر اللامحدود، في كل مرة يرسل فيها الجبل الجليدي الروسي إشارات إلى الغرب وخاصة إلى أوروبا المجاورة بحدود لا يمكن تجاوزها، بحيث يبدو الأمر كما لو أن الأخير كان أصماً وسمع فقط صوت صفارات الإنذار عبر المحيط الأطلسي. وبالنسبة لأولئك الذين يتردّدون ويتساءلون أحياناً: لماذا لا تتصرف هيئة الأركان العامة الروسية بشكل أسرع وأقسى ضد “الأوكرونازيين” المسلحين باستمرار من قبل الغرب؟ يمكن القول إن العمل الذي تقوم به موسكو هائل ويتجاوز الحالة الأوكرانية وحدها، والتي يجب أولاً تنظيفها تماماً من كل ما يسدها، ولأولئك الذين لم يفهموا بعد، ما يجب أن يتذكره المواطنون الأوروبيون على الدوام هو أنهم بالفعل مستعمرون من قبل الولايات المتحدة، وهي ليست شريكتهم كما يتصوّرون، وأنها بنت إمبراطوريتها منذ البداية على الخراب والنهب والاستعمار والحروب دون توقف منذ ذلك الحين، وبسبب دعمها الثابت لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي يعتقد أنه يستطيع بناء ازدهاره على سرقة الأراضي الفلسطينية إلى جانب الأساليب الفاشية. ويجب أن يعلموا أيضاً أن الصوت الأوروبي، بالإضافة إلى كونه خجولاً، كان شريكاً منذ البداية. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأوروبيين أن يفهموا ويقبلوا أنهم ركاب من الدرجة الثانية فقط، وأن كل إمبراطورية تعرف ساعات مجدها ومن ثم تعرف ساعات انحدارها ونهايتها.
وبالفعل، هناك الكثير من التحليلات التي تحدثت ولا تزال عن انهيار الامبراطورية الذي يمضي على قدم وساق، وبالتالي، هل سيتبع الأوربيون طاقماً يقودهم بوضوح إلى كارثة، أم أنهم ذاهبون لتنظيم أنفسهم واستعادة السيطرة التي من شأنها أن تسمح لهم تجنّب الانهيار القادم؟.
إن عواقب مثل هذا التصادم لا تُحصى في المستقبل، باستثناء أمر مؤكد واحد هو أن كل النماذج سوف تضطرب، ولكن يمكن تجنّب العقبة والكثير من الآلام لغالبية المواطنين من خلال العودة إلى رشدهم وقبول العرض الروسي المتمثل ببقاء أوكرانيا على الحياد، ونزع سلاحها، وتراجع الناتو عن الحدود الروسية، ونزع السلاح من البلدان المجاورة لحدودها، فلماذا لا يريد الغرب المهيمن التراجع حتى الآن؟.
بكل الأحوال، سواء أحبّ الغرب ذلك أم لم يحب، فإن روسيا تقيم المزيد من العلاقات مع أولئك الذين يتوقون إلى فك العقدة الأمريكية التي كانت تخنقهم. ولعلّ قمة “البريكس” الأخيرة أكبر شاهد على ذلك، حيث باتت تمثل ما يقرب من 3.5 مليارات شخص، وهذا الرقم مرشح للارتفاع مع وجود دول جديدة تطلب الانضمام. وما يشهده العالم منذ بضعة أسابيع في أوكرانيا هو مجرد تأكيد على المناورات الأمريكية الدنيئة والعجز السيئ لمعظم المحللين، وصنّاع القرار الأوروبيين الذين حوصروا هناك، كما حدث وحوصروا خلال تفشي وباء كورونا حيث أثبتت حقنهم عدم جدواها بل بعضها كان خطيراً.
ثمّة أمر آخر خطير يتعلق بآلاف المرتزقة الذين استقدمتهم الحكومات الأوروبية إلى أوكرانيا لخوض حروبها القذرة، والذين ينتهي الأمر بالعديد منهم بالعودة إلى ديارهم وقد اكتسبوا خبرة ميدانية في ظروف حرب حقيقية بعدما تمّ تدريبهم من قبل مدربي الناتو اللامعين، وسيكون لديهم روابط مزورة مع المافيا لغرض وحيد هو كسب المال. لذلك سيعودون بأسلحتهم وخبراتهم للحصول على المزيد من المال، وعليه قد ينقلب هؤلاء المرتزقة في يوم من الأيام ضد حكوماتهم، وضد مواطنيهم، ويشنون هجمات لن يفهمها إلا المحتالون في السلطة.