الولايات المتحدة تستعيد الزمن الامبريالي
هناء شروف
من خلال عقوباتها الاقتصادية التعسفية، أعادت الولايات المتحدة إمبريالية أمريكا بشكل جديد. في عام 2015 وقع باراك أوباما على أمر رئاسي ينصّ على أن فنزويلا تشكل تهديداً غير عادي للأمن القومي للولايات المتحدة، ما يسمح للحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على فنزويلا. خلال إدارة ترامب حظرت الولايات المتحدة تجارة النفط مع فنزويلا، ونقلت السيطرة على أصول الدولة إلى المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه المعارضة، وضغطت على الشركات غير الأمريكية لتعليق التعاملات مع فنزويلا. نتيجة لذلك انخفض إنتاج النفط الخام الفنزويلي ما يقرب من 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2016 إلى 300 ألف برميل يومياً في عام 2020.
من خلال استمرار دائرة العقوبات ضد فنزويلا، وحرمان شعبها من الضروريات الأساسية تكون الولايات المتحدة قد انتهكت حقوق الإنسان التي تدّعي الكفاح من أجلها. بالإضافة إلى العقوبات أحادية الجانب ذات الدوافع السياسية على صناعة النفط، قطعت الولايات المتحدة صادراتها من الضروريات بما في ذلك الغذاء والدواء إلى فنزويلا. وبعد زيارة استمرت 12 يوماً لفنزويلا في عام 2021، خلصت المقررة الخاصة للأمم المتحدة ألينا دوهان إلى أن العقوبات تنتهك حقوق الفنزويليين، ولفتت إلى أن انخفاض عائدات النفط الذي تفاقم بسبب العقوبات، أثار أزمة غذاء وتغذية. وبالتالي فإن أكثر من 2.5 مليون فنزويلي يعانون من أزمة غذائية شديدة، حيث سجلت منظمة الأغذية والزراعة زيادة 213.8٪ في نقص التغذية أو الجوع المزمن في البلاد.
تؤمن الولايات المتحدة بمبدأ “مونرو”، وتتبع سياسات القوة والهيمنة في أمريكا اللاتينية من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد. ومنذ أن دمرت البارجة “يو إس إس ليكسينغتون” المستوطنة الأرجنتينية في جزر فوكلاند عام 1831، نفذت الولايات المتحدة تدخلات عسكرية متعدّدة في دول أمريكا اللاتينية. في الثمانينيات تم القبض على القائد العسكري البنمي مانويل نورييغا الذي كان حليفاً للولايات المتحدة، ولكنه ابتعد عن الولايات المتحدة بعد توليه منصبه. وفي وقت لاحق، غزا 20 ألف جندي أمريكي بنما باسم حماية أرواح وممتلكات المواطنين الأمريكيين. وفي عام 2002، بعد شهرين من إعلان المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت أن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز لا يلبي مصالح الولايات المتحدة، دعمت الولايات المتحدة انقلاباً عسكرياً يهدف إلى الإطاحة بالزعيم الفنزويلي.
هاينز ديتريتش، عالم الاجتماع والمحلّل السياسي الألماني المشهور عالمياً والذي يعمل في المكسيك، قال: “الحقيقة التاريخية هي أنه لا توجد دولة أخرى في نصف الكرة الأرضية دمرت حكومات ومؤسسات أكثر ديمقراطية في نصف الكرة الأرضية وعلى مستوى العالم أكثر من الإمبريالية الأنغلو أمريكية من خلال التدخلات المباشرة والثورات الملونة والعقوبات الاقتصادية والحصار.. وما إلى ذلك”.
مؤخراً، استبعدت الولايات المتحدة كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا من القمة التاسعة للأمريكيتين مرة أخرى على أساس “الديمقراطية”، بحيث كانت أشبه بقمة للولايات المتحدة منها لقمة للأمريكيتين. من هنا، إن طريقة الولايات المتحدة في وضع نفسها فوق الأمريكيتين، والتنمر على الآخرين لمصالحها الخاصة كان وما زال موضع تساؤل ومقاومة على نطاق واسع من قبل دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وقد وصف الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل القمة بأنها مشهد استعماري جديد يخدم السياسة الداخلية للولايات المتحدة. كما قال الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إنه لا ينبغي للدول أن تظلّ صامتة بشأن سياسات الهيمنة، وأن الأمريكيتين يجب أن تبدأا مرحلة جديدة ترفض السياسات الإقصائية.