هل يقرأ “بعضنا” درس ماكرون وجونسون
أحمد حسن
الأربعاء يحلّ بايدن “ضيفاً” على منطقتنا بأهداف معلنة وواضحة. الرجل لا يكاد يهدأ.. ينتقل من قارة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، يشدّ عصباً هنا ويرمم حلفاً قديماً أو يزيل ستار السرية عن آخر هناك، مهدداً تارة ومرغّباً أخرى، مانحاً في كل مكان يحط فيه ما لا يملك لمن لا يستحق، فهو يريد أن يخوض الجميع، ولو على حساب مصالح شعوبهم، حرب بقاء روما العصور الجديدة.
بيد أن الأمور لا تسير على هوى الرجل الذي أشعل النار الأوكرانية في قلب جغرافية “العالم الفاعل” لتوريط روسيا وخلخلة كيانها الجغرافي والسياسي من جهة، وإعادة ربط الخيط الأوروبي الذي كان قد بدأ “يتحلّل” من بين أصابع واشنطن القاسية من جهة أخرى.
العوائق تتراكم في طريقه: روسيا لم تتورط ولم تُعزل – فشل واشنطن الأخير في استبعادها من مجموعة العشرين دليل كبير – بل تبدو منتصرة؛ الحلفاء يتمردون: بعضهم يرفع سعره، بعضهم يتردد قارئاً اتجاه العالم القادم، وبعضهم يسقط ببساطة على الطريق جراء تمسكه بذيليته الفاضحة لساكن البيت الأبيض على حساب الأمن القومي الحقيقي لبلاده.
وإذا كان من الواضح أن حلف “الناتو” أعلن استسلامه الكامل أمام رغبات “العم توم”، وأنه قد بدأ يتوسع جغرافياً كما لم يحدث له من قبل، لكن تأثيره الفعلي، وكما لم يحدث له من قبل أيضاً، بدأ ينحسر ويتراجع. أوروبا –جسده الحقيقي- تعاني كما لم يحصل لها منذ الحرب العالمية الثانية. قادتها يتساقطون أمام الانعكاسات الاقتصادية و”المعيشية” للحرب. “ماكرون”، مثلاً، أصبح يقف في بلاده على قدم واحدة. “جونسون”، حليف بايدن الأهم، فقد ساقيه الاثنتين معاً.
الأسباب واضحة وجلية لكن أحداً لا يريد الاعتراف بها، ومواجهتها، علناً. سقوط جونسون المدوي، كما انكسار ماكرون قبله، يعيدونه إلى أسباب صغيرة وجانبية – وإن كانت مؤثرة – هنا وهناك، يقال مثلاً أن حادثة “كريس بينشر”، نائب رئيس حزب المحافظين في بريطانيا، هي من أسقطت جونسون بعد أن “فقد نزاهته” و”تضرّرت مصداقيّته” بسبب طبيعة تعامله الأولية معها!!
الكلام ذاته، وإن بتعابير أخرى، قيل لتفسير اهتزاز وضعية ماكرون في بلاده، وبالطبع هذا ليس إلا بعض من النفاق الأوروبي “الديمقراطي” المعروف الذي يحاول التغطية على حقيقة وعمق “الاختلالات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها بلدان الغرب، والمرتبطة بتراجع موقعه المهيمن عالمياً”، وأيضاً على دور هؤلاء “القادة” في ذلك عبر “لعبهما” – وسواهما من القادة الأوروبيين التابعين – مع بايدن بحياة مئات ملايين البشر في العالم بإشعالهم حرب أوكرانيا أولاً، ورفضهم، ثانياً، لإيقافها، ثم انصياعهما المذلّ لمحاولته المستميتة لدفع العالم نحو العسكرة الشاملة، لا التنمية الشاملة، وذلك كله، كما يشي واقع الحال السابق، يصب في طاحونة واشنطن، ولو مرحلياً، وليس عواصم، وشعوب، أوروبا التي كانت المتضرر الأول من رغبة جونسون المحمومة بالارتهان لواشنطن وتصدره، بالتالي، العقوبات ضد موسكو والتي انعكست، بمجملها، سلباً على معظم المواطنين الأوروبيين.
الارتهان ذاته وللجهة ذاتها هو ما فضحته “ملفّات أوبر” التي فُتحت في وجه ماكرون بالأمس كدليل ساطع على تقديمه “خدمة المصالح الخاصة، الأجنبية منها في كثير من الأحيان، وهي أمريكية طبعاً، قبل المصالح الفرنسية الوطنيّة”.
بالمحصلة هؤلاء بعض ضحايا محاولة “الإمبراطورية” إيقاف عجلة التاريخ، فمن سيذكر “ماكرون” لاحقاً، لقد نسي العالم، أو يكاد هولاند وساركوزي، وأمثالهما من ساسة “التبعية” المطلقة، ومن سيذكر جونسون، الذي لم يكن أكثر من مهرج كما وصفته صحافة بلاده، أو طوني بلير الذي كان “كلب بوش” كما وصفته الصحافة البريطانية والعالمية.
المسألة إذاً أبعد من “بايدن” وأهم من تابعيه معاً، إنها أزمة عالم يتغير، لكن بعض “قادته” لا يريدون الاعتراف بذلك، والنتيجة واضحة وجليّة.
لكن هل يقرأ بعض “قادة” المنطقة الذين ينتظرون بايدن يوم الأربعاء في مصير ماكرون وجونسون؟؟!!.