المستقبل لمجموعة العشرين
هيفاء علي
ذات يوم كان هناك “ستار حديدي” يقسم القارة الأوروبية، واليوم هناك ما يمكن أن يسمى “ستارة القصدير”، التي صنعها الغرب الجماعي الخائف عبر مجموعة السبع، وحلف شمال الأطلسي هذه المرة لاحتواء تكامل دول الجنوب.
إن أحدث وأهم مثال على هذا التكامل هو ظهور مجموعة “بريكس +” في القمة الإلكترونية التي استضافتها بكين نهاية حزيران الماضي، حيث ذهبت هذه القمة إلى ما هو أبعد من تحديد خصائص “مجموعة الثماني الجديدة”، كبديل لمجموعة السبع.
المحاورون من دول البريكس الخمس التاريخية هم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، والذين يمثلون نموذجاً مصغراً للجنوب العالمي الذي يضم جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى، وغرب آسيا، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، حيث كانت رسائل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضحة في قمة بكين، والتي تتعارض بشكل صارخ مع دعاية مجموعة السبع، موجهة إلى الجنوب العالمي، مشيراً إلى أن روسيا ستفي بالتزاماتها في مجال توريد الطاقة والأسمدة، وتتوقع محصولاً جيداً من الحبوب، وأن تزود الأسواق العالمية بما يصل إلى 50 مليون طن. زيادة على ذلك، ستضمن روسيا مرور سفن الحبوب عبر المياه الدولية، حتى لو قامت كييف بإغلاق الموانئ الأوكرانية.
كما أشار بوتين إلى أن الارتفاع الحاد في معدلات التضخم حول العالم ناتج عن عدم مسؤولية دول مجموعة السبع، وليس نتيجة للعملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وإن اختلال التوازن في العلاقات العالمية يختمر منذ فترة طويلة وأصبح نتيجة حتمية لتآكل القانون الدولي، مضيفاً إن مجموعة البريكس تدرس إمكانية إنشاء عملة احتياطية دولية على أساس سلة عملات البريكس، وبالكامل إزالة الدولرة المفروضة على موسكو، وزيادة التجارة بين دول البريكس.
حقيقة، تمثل دول البريكس في المرحلة الراهنة 40٪ من سكان العالم، و25٪ من الاقتصاد العالمي، و18٪ من التجارة العالمية، وتساهم في أكثر من 50٪ من النمو الاقتصادي العالمي. وبالتالي إذا لم تُسمع أصوات الأسواق الناشئة في السنوات المقبلة فإن العالم بحاجة إلى التفكير بجدية كبيرة في إنشاء نظام إقليمي موازٍ أو حتى عالمي، خاصةً أن هناك “نظاما إقليميا موازيا” قيد المناقشة النشطة بالفعل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين، بتنسيق من وزير التكامل والاقتصاد الكلي سيرغي غلازييف.
تؤيد دول البريكس التعددية الفعلية، والتركيز على التنمية العالمية، والتعاون من أجل الانتعاش الاقتصادي، وتحسين الحوكمة العالمية. وفي الوقت نفسه، فإن الابتزاز الذي ابتكرته الولايات المتحدة هو مرادف لعقلية الحرب الباردة، واستغلال البلدان النامية، وتحالف لاحتواء الصين.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف لخص، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي البيلاروسي، كيف أن الغرب يخشى المنافسة الشريفة، وهو الذي يرسخ “ثقافة الإلغاء”، وإزالة أي شيء يتعارض بأي شكل من الأشكال مع الرؤية الليبرالية الجديدة، وترتيب العالم. كما لخص لافروف خارطة الطريق المقبلة لصالح جميع دول الجنوب عندما قال: “لسنا بحاجة إلى مجموعة الثماني الجديدة. فلدينا بالفعل هياكل في أوراسيا حيث يعمل الاتحاد الأوارسي بنشاط على تعزيز عمليات التكامل مع جمهورية الصين الشعبية، ومواءمة مبادرة الحزام والطريق الصينية مع خطط التكامل الأوروبية الآسيوية. أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا يبحثون عن كثب في هذه الخطط، وعدد منهم في طور توقيع اتفاقيات منطقة التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. كما أن منظمة شنغهاي للتعاون هي أيضاً جزء من هذه العمليات، وبالتالي، هناك هيكل إضافي خارج الحدود الجغرافية لأوراسيا، أي دول البريكس”.
يذكر أن مجموعة العشرين تجمع جميع دول البريكس، وخمس دول أخرى تشترك في مواقف بريكس، في حين أن مجموعة السبع وأنصارها على الجانب الآخر باتت تغرد خارج السرب بمفردها. وهكذا تستند مجموعة العشرين التي تضم كلاً من منظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس، وآسيان، والاتحاد الأوروبي، ورابطة الدول المستقلة إلى الإجماع والاحترام المتبادل وتوازن المصالح، بدلاً من المطالبة بقبول حقائق العالم أحادي القطب.