القطبية الواحدة على مشارف الانهيار
ريا خوري
يبدو أن النظام الدولي الذي تبلور في نهاية ثمانينيات، ومطلع تسعينيات القرن الماضي والذي كرس الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، بمسيرته وصيرورته قد شارف على الانتهاء، حيث من الطبيعي أن ذلك كنتيجة مباشرة وغير مباشرة بعد العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا. وهنا تبرز قضيتان أساسيتان: الأولى هي نهاية السيطرة والهيمنة الأمريكية، والقضية الثانية صعود الصين والتوجه إلى آسيا والشرق بشكل عام .
إن جملة القضايا المركزية المهمة حول حقيقة من ستؤول له قيادة العالم كان قد أكّدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما دعا إلى قيام نظام دولي جديد عام 2007، وأعاد التأكيد عليها في كلمته التي ألقاها في مؤتمر “سانت بطرسبرغ” في حزيران من هذا العام 2022، مقابل نضوب وجفاف المعين النظري القيمي والأخلاقي للحضارة الغربية التي شهدت وما تزال تشهد أشكالاً عدة من النزعات العدمية والتفكيكية في بناها وماهيتها المصحوبة بعنصرية مفرطة، وشعبوية منبوذة، ومخالفة لأسس وقيم الليبرالية العالمية الكلاسيكية .
في هذا السياق تبرز العديد من التساؤلات، ومنها: هل الصين وروسيا ومن معهما قادرتان على اتخاذ مواقع ومواقف جديدة بعد انتهاء الأزمة الأوكرانية؟ لا شك أن صعود الصين القوي والمتسارع، وحالة التمحور حولها، وتعدّد مراكز النفوذ والقوة يؤكد وجود بدايات قوية للتحالفات التي تعمل على تحقيق تشكيلات قطبية، وهذا ما سنجده واضحاً بعد الأزمة الأوكرانية، خاصة لجهة أن العقوبات الجائرة التي تم اتخاذها ضد روسيا قد انعكست على الولايات المتحدة وأوروبا سلباً، وفقدوا جزءاً لا بأس به من تحالفاتهم.
الجدير بالذكر أن النظام العالمي الجديد كان قد تشكل مع بدايات تكوّن وتشكل الدول القومية في العالم، لكن الثورة الفرنسية في العام 1789 هزت بنية النظام العالمي. لكن مؤتمر فيينا عام 1815 بعد هزيمة نابليون بونابرت تم وضع قواعد العمل السياسي التي سارت عليها القوى الكبرى في أوروبا، حيث استمر هذا النظام حتى بدايات الحرب العالمية الأولى، وتشكيل عصبة الأمم المتحدة عام 1919 في إطار نظام دولي جديد لم يستمر طويلاً حتى جاءت الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بتأسيس نظام عالمي جديد بقيام هيئة الأمم المتحدة عام 1945، وامتد ذلك إلى أواخر ثمانينيات القرن العشرين على أساس القطبية الثنائية في ظل الصراع الأيديولوجي والسياسي والحرب الباردة التي امتدت من عام 1946 حتى عام 1989، وهنا كانت لحظة انهيار هذا النظام وبروز الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد الدولي والتي أخذت تضعف شيئاً فشيئاً بعد تورّطها في غزو أفغانستان العراق.
اليوم مع استعادة روسيا دورها الذي غاب عنها عشرات السنين، وصعود الصين ستتحدد ملامح النظام العالمي الجديد القائم على القطبية المتعددة، وكسر احتكار الهيمنة السيطرة الأمريكية على العالم.