جماليات الأدب الوجيز في مجموعة “كماء العنب في آب العناقيد”
علي الراعي أديب تنوعت كتاباته بين النص الإعلامي ونص الومضة في شكله الشعري والقصة المختصرة في مساهمة فعالة منه لتقديم ما يدعم الأدب الوجيز الذي أعيد ذكراه والعمل به في عصرنا الحديث وفي الآونة الأخيرة نظرا لأهميته وقدرته على استقطاب شرائح اجتماعية متنوعة.
الأدب الوجيز الذي وجد عبر التاريخ يقدم الشاعر علي الراعي على كينونته ومضات تؤكد على أهمية مستواه ففي نصه حاء باء.. يكتب الحب يكفي
ليبرر وجودا بأكمله…
الحرب تأكل عيون الرجال
تمضغ أذرعهم وسيقانهم
وتلفظ الموتى منهم..!
في هذه الكلمات القليلة التي لاتصل إلى العشرين يقدم الراعي فلسفة الحب والحرب ويختصرها موجزاً معانيها بأقل ما يمكن من كلمات وهو يقدم ما يراه عالماً بكامله كيف يكون الحب وكيف تكون الحرب.
ولابأس أن نشير في ما نخلص إليه، إلى ضرورة الحديث عن الفلسفة في الأدب وخاصة عندما يكون هذا الأدب من النوع الذي يطلق إشعاعاته لتساهم في إنارة الكون أو على الأقل إنارة بيئة وهذه البيئة يمكن أن توزع أنوارها إلى الكون.
في الواقع وأنا أقرأ هذه المجموعة وقعت في حيرة كبيرة ماذا أسميها هل هي حقاً تعتبر شعر كما جاء على غلافها أم هي فلسفة تستخلص من تحولات المجتمعات الإنسانية وحراكاتها الحياتية، أم هي ومضات تجمع بين أشكال أدبية لا يقصد المؤلف أن تكون كذلك فهي التي جاءت بمشيئة موهبة عفوية الانفعال وصادقة الطرح سواء كان طرحها يعجب الجميع أم يعجب بعضهم وفي مآل ما يجب أن نقول: إن هذا الحضور التكثيفي للنص هو كائن أدبي جميل يساهم في رفع قيمة الأدب الوجيز الذي يشتغل علي الراعي على تنشيطه منذ فترة ليست قصيرة.. ومعاً إلى نص بعنوان ع”ندها فقط”
عمر المرء في هذا الشرق.. كم من التنهدات..
كلما أطلق تنهيدة، جرعة من الحياة تسربت..
أيها الكائن يا صديقي..
لا تتنهد كثيرا
عسى أن تنعم ببعض الوقت عندما يفلت الخيط من بكرته.. ستقف حيث ينتهي بك.
وما يوثق الفلسفة النفسية التي جاءت في النصوص هو طرح المؤلف كثيراً من القضايا الاجتماعية والنفسية والحياتية، والتي يتوقف عندها المرء مثل سرقة، ومجرى حياة، وحارس مرمى، وسباق حواجز، إلى آخر المواضيع التي يستمر بها الراعي في التوسع قليلاً ليختصر أكبر قدر ممكن مما يخص الإنسان ويقدم حالات ابداعية ترقى إلى مستوى الشعر، جاءت بكتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب وقدم الفنان غازي أنعيم لوحة غلاف تنسجم وتتوافق مع ما أراده المؤلف من أفكار ورؤى وحالات تستدعي الوقوف على شرفاتها لنتمكن من ملئ أحاسيسنا وشحذها بجماليات النصوص الفلسفية التي نتجت عن فكر وإحساس وجداني لشاعر تمكن أن يحول هذه الصور الواقعية من يوميات حياة إلى لوحات فنية فائقة التصوير غزيرة المعنى ولها وقع ليس بقليل على مسالك أرواحنا التي تعشق الجديد في عالم مازال مشحونا بالحزن والآمال.
نبوغ محمد أسعد