الموسيقا التصويرية هويّة العمل والذاكرة القوية
يتفق الجميع على ما خلص إليه المشاركون في ندوة “شآم والقلم” والتي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بإدارة الإعلامية نجوى صليبه، ومشاركة المخرج باسم السلكا والموسيقيين رضوان نصري وإيهاب مرادني على أهمية الموسيقا التصويرية في الأعمال الدرامية، حيث باتت عنصراً أساسياً من عناصر أي عمل، وهي التي لم تعد مجرد خلفية للمَشاهد والأحداث الدرامية، بل أضحت انعكاساً لحالة الممثل ومواكبة لحركاته وانفعالاته الداخلية المختلفة.
شراكة حقيقيّة
وبيّن المخرج باسم السّلكا في تصريح لـ “البعث” أنّ علاقته بالموسيقا التّصويريّة في أيّ عمل يقوم بإنجازه تبدأ بمرحلة مبكرة، مع بدايات قراءته للنص، فيتخيّل مباشرةً الفضاء الموسيقيّ للعمل، ويرافقه هذا الأمر أثناء تنفيذ العمل، وانطلاقاً من ذلك أكد أهمية وجود شراكة حقيقيّة مع الموسيقيّ ليكون قادراً على احتوائه كمخرج بالقدر الذي لا يصادر رأيه من خلال التّعاون الخلاق الذي يجب أن يكون قائماً بينهما، منوّهاً بأنّ المشروع الفنيّ هو نتاج عمل جماعي باعتماده على الموسيقا التصويرية التي يجب أن تكون بمقدار الاهتمام بالصورة وأداء الممثّلين وجودة النصّ. ورأى أنّ الاهتمام بالموسيقا التّصويريّة نابع من اهتمام المشاهدين بها، ولأنها تعبّر عن هويّة العمل، مبيناً أن أعمالاً كثيرةً سوريّة وعربيّة كانت دون الوسط وقد رفعتها الموسيقا التّصويريّة التي ما إن نستمع إليها ولو بعد عدّة سنوات من مشاهدتنا للعمل الدّرامي حتى نستحضر المسلسل والفترة الزّمنيّة التي حضرناه فيها، وهذا يدلّ على أثر الموسيقا في نفس المشاهد، مؤكداً ضرورة أن يكون المخرج ملمّاً بالموسيقا، لأن تدخّل المخرج غير الملمّ بالموسيقا مضرّ لأنه يتدخّل بطريقة غير صحيحة موسيقيّاً، وخاصة حين يبالغ المخرج بتقديم اقتراحات غير قابلة للتنفيذ، لذلك فمن الضّروريّ برأيه أن تكون هناك علاقة إبداعية بين المخرج والموسيقيّ بحيث يقوم الموسيقيّ بتطوير ما يريده المخرج. ولا يحمّل السّلكا الموسيقيّ أي ذنب في حال لم يقدم ما هو مطلوب بالشكل المناسب، لأنّ كل خيارات الموسيقي يتمّ وضع حدود لها وفقاً للظّرف الإنتاجيّ بالدّرجة الأولى، فالموسيقيّ أحياناً تكون لديه القدرة على تنفيذ عمله بشكل ممتاز وكامل، لكنّ الظّرف الإنتاجي السيئ يحول دون أن ينفّذ ما يطمح إليه. وأكد السلكا أنّ الموسيقيّ لا يستطيع أن يعمل عملاً جيّداً من لا شيء، فإذا كان العمل أصلاً غير جيّد وشركة الإنتاج ليست مهتمّة بموضوع الموسيقا فيه بمقدار اهتمامها بالنص والممثل فإنّ ذلك سينعكس سلباً بشكل كبير على ما سيقدّمه الموسيقيّ، مع إشارته إلى أن جودة الموسيقا في العمل تكاد توازي أهميّة جودة النّصّ.
وختم السلكا بالقول إن أكثر موسيقا تصويرية أثّرت به هي موسيقا مسلسل “وثيقة شرف” لرضوان نصري الذي تعاون معه كمخرج في ثلاثة أعمال هي: “وثيقة شرف، بورتريه، على قيد الحبّ”.
الذّاكرة القوّيّة
وأشار الفنان رضوان نصري في تصريح لـ “البعث” إلى أن الموسيقا التصويرية ظهرت في الغرب منذ الأعمال الصّامتة كأعمال تشارلي شابلن، وكانت تُستخدم لسدّ الفراغ السّمعي والصّوتي، وشيئاً فشيئاً بدأ توظيف الموسيقا لخدمة العمل الدراميّ، مبيناً أن مصر كان لها السبق عربياً في هذا المجال بسبب وجود إنتاجات دراميّة وسينمائيّة كثيرة، وأنّ الاهتمام بالموسيقا التّصويريّة في الدّراما السّوريّة حديث العهد، ولم تكن تُسمّى بالموسيقا التّصويريّة في البداية لأنّها كانت لا تعبّر عن الأحداث، وكان استخدامهاً تزيينيّاً وتجميليّاً، وبالتدريج أصبحت موظّفة لتعبّر عن الحالة في العمل الدراميّ، موضحاً أنّ ما يشجّعه على المشاركة في أيّ عمل هو اسم المخرج وفكره بالدّرجة الأولى، لأن الموسيقيّ يحلم دوماً بالعمل مع مخرج يمتلك سويّة فكريّة عالية، ثم تأتي في المرتبة الثّانية جودة النّص لأن النصّ إذا كان ضعيفاً لن يستطيع الموسيقي كما المخرج ومهما كان فعّالاً خلق كثير من التّفاصيل التي يرغبها المشاهد، موضحاً أنّ لكل نوع من الأعمال موسيقا مناسبة، سواء أكان العمل تراجيدياً أم تاريخيّاً أم كوميديّاً، مؤكداً أنّ الموسيقا التّصويريّة للعمل التّاريخيّ أو الكوميديّ عمل شاقّ، فالأول يتطلّب ثقافة تاريخيّة، ونجاحه مرهون بذكاء الموسيقي، في حين أن موسيقا العمل الكوميديّ يجب أن تغرّد ضمن سرب الكوميديا بحيث تندمج مع الممثّل لتعبّر عن روح الكوميديا في العمل. وأكد نصري أن العمل الموسيقي بالنّسبة إليه تحدّ، لكنّه مع هذا يميل إلى الأعمال الاجتماعيّة التي تكون فيها المساحة أكبر ليعبّر عن نفسه، دون أن ينكر أنّ العمل في الدّراما حقّق له الشّهرة وخدمه في البدايات كثيراً، وهو مؤمن أنّه لا يمكن للموسيقيّ الاستمرار إن لم يكن فعّالاً وصاحب بصمة، وهذا لا يتحقّق له إلّا إذا كان متجدّداً دوماً، موضحاً أنّه عندما كانت الدّراما بسيطة كان الموسيقيّون يتعاملون معها ببساطة، لكنّهم حالياً لا يستطيعون التّعامل مع الدراما بالطّريقة السابقة نفسها بسبب وجود التّقنيّات الحديثة وتغيّر ذوق المُشاهد وطبيعة العصر.
وختم نصري تصريحه معبّراً عن إيمانه بأن الموسيقا التّصويريّة أقرب إلى المُشاهد، وهي الذّاكرة القوّيّة التي يبقى لها أثر كبير على المشاهدين، فالأعمال قد تُنسى لكنّ الموسيقا تبقى محفورة في الذّاكرة.
موسيقا تنسجم مع البيئة
وأشار الفنان إيهاب مرادني إلى أنّ النّصّ دائماً يقود الموسيقيّ نحو الموسيقا التّصويريّة التي سيقدمها، سواء أكان العمل المنجز ضمن الدراما السّوريّة أم غيرها.. مع تأكيده أنّ العمل الخارجيّ المرتبط ببيئة معيّنة يفرض على الموسيقيّ تقديم موسيقا تنسجم مع هذه البيئة، لذلك عندما كُلّف بوضع موسيقا تصويريّة لمسلسل عراقيّ تدور أحداثه في العراق استعمل مقامات موسيقيّة عراقيّة لأوّل مرّة لأنّ الموسيقا التّصويريّة جزء من هويّة العمل وتعبّر عن مكان أو بيئة معيّنة. وعن حالات التّشابه بالموسيقا التّصويريّة، بيّن مرادني أنّ بعض هذه الحالات سببها اقتباس بعض الموسيقيّين لموسيقاهم عن موسيقا عالميّة، وهذه مشكلة كبيرة عندما تكون مقصودة وعن عمد، لأن جمهور اليوم أصبح لديه ثقافة موسيقيّة نتيجة لمتابعته لكلّ ما يُقدّم على الصّعيد العالميّ، وهو قادر على اكتشاف ذلك، مؤكداً أن المخرج هو مايسترو العمل، والموسيقي يستمد نبضَه منه ولا يمكنه التغريد خارج الإيقاع الذي يريده المخرج، ونجاح الموسيقي في تقديم موسيقا تصويرية ناجحة مرتبط بمقدار فهمه للنص والمخرج، لأن لكل مخرج إيقاعه ورؤيته، لذلك فإن أصعب حالة يمرّ بها الموسيقي عندما يتعامل مع مخرج لأول مرة، لأنه يحتاج أن يفهم كيف يفكر وما هي رؤيته، مع تأكيده على ضرورة أن يتمتّع الموسيقي بثقافة عالية في مجال الكتابة وقراءة النص وأداء الممثل، وأن تكون لديه معرفة بالمونتاج والمكساج، وأن يتمتّع بمخيلة كبيرة وإحساس عالٍ، لذلك نجد أن ملحنين كباراً يخوضون تجربة الموسيقا التصويرية وقد لا يستمرون فيها لأنها عمل مرهق جداً.
وعن عمله للطفل وفي رصيده تجارب مميزة في هذا المجال، رأى مرادني أن العمل للطفل هو الأصعب لأنه يحتاج إلى جهود كبيرة لإبهاره.
أمينة عباس