خبراء غربيون يحذرون من الركود رغم استبعادهم آثاره الاجتماعية
البعث – تقارير:
لا تزال التقارير الاقتصادية الغربية تتخبّط في تحديد مستوى الآثار الكارثية التي أحدثتها السياسات الغربية الخاطئة فيما يخص طبيعة العقوبات المفروضة على روسيا على خلفية عمليّتها الخاصة في أوكرانيا، وخاصة في قطاعي الطاقة والمصارف، حيث يحاول أغلب المحللين الهروب من حتمية الوصول إلى ركود اقتصادي عميق في الغرب وخاصة في منطقة اليورو، وذلك إمعاناً في عدم الاعتراف بفشل السياسات الغربية إزاء موسكو، رغم أن الأخيرة حذّرت غير مرّة من أن مثل هذه العقوبات غير المدروسة قد تقود إلى نتائج كارثية على مستوى الاقتصاد العالمي كله وليس فقط على مستوى أوروبا، وأن السير في هذا الاتجاه سيؤدّي حتماً إلى انهيار اقتصادات غربية بعينها تعتمد بشكل أساسي على سوق الطاقة الروسي كمحرّك أوّل لعجلة النمو فيها.
فقد رأى مدير عام المصرف الأميركي “مورغان ستانلي”، جيمس غورمان، أنّ احتمال حدوث ركود في أوروبا يزيد “كثيراً” على 50%.
وقال الخبير في مقابلة مع “جورنال دو ديمانش”: “بالنسبة إلى الولايات المتحدة، أقدّر هذا الخطر بحوالي 50/50. في رأيي، أنّه أكثر بكثير في أوروبا. طبعاً ليس 100%، ولكن بالتأكيد أكثر من 50%”، ولكن غورمان لا يعدّ الركود مشكلة كبيرة وجدية، مؤكداً أنّ العالم لن ينهار بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي، وربما سيكون قادراً على التأقلم معه والتغلب على ذلك بسرعة، ويعتقد المدير العام أنّ من غير المرجح أن يواجه العالم تضخّماً خارج نطاق السيطرة، مستبعداً احتمال حدوث نشاط اجتماعي جماعي قوي تحت تأثير أزمة الطاقة، وقال غورمان: “ولكن، لا توجد أي شكوك بتاتاً في أننا سنعيش لاحقاً في وقت غير هادئ”.
وفي هذا السياق، يرى خبراء في مصرف “بيرنبرغ” أنّ تراجع اليورو يعود بشكلٍ أكبر إلى تحسّن الدولار، الذي ارتفعت قيمته بقوة، مقابل سلة واسعة من العملات منذ منتصف عام 2021، كما أدّى هبوط اليورو أمام الدولار على خلفية حرب أوكرانيا والمخاطر المتزايدة التي تواجه اقتصاد الاتحاد الأوروبي إلى تكافؤ العملتين لأوّل مرة منذ عقدين.
وتراجعت العملة الأوروبية الموحّدة إلى 0.9952 دولار الخميس الماضي وهو مستوى غير مسبوق، منذ أواخر عام 2002، عندما طُرح اليورو للتداول رسمياً، ويتوقع المستثمرون أنّ بإمكان اليورو التعافي إذا زالت عدة عقبات تقف في طريقه، خلال الأشهر المقبلة، أهمّها خطر توقف إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا وهو أمرٌ من شأنه أن يؤدّي إلى ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، ويُجبر دول منطقة اليورو على الحدّ من بعض الأنشطة الصناعية.
وقالت المحللة لدى “كوميرزبنك” استر ريخليت لوكالة “فرانس برس”: “إذا عاد تدفّق الغاز من روسيا إلى وضعه الطبيعي، أو توقف عن التراجع على الأقل، بعد انتهاء الإغلاق الذي أدّت إليه أعمال الصيانة في نورد ستريم 1، الأسبوع المقبل، فسيخفف ذلك مخاوف الأسواق بعض الشيء من أزمة غاز وشيكة في أوروبا”. وبينما حذّرت مجموعة “غازبروم” الروسية العملاقة للغاز من أنّه لا يمكنها ضمان سير عمل خط الأنابيب بشكلٍ عادي، تخشى الدول الأوروبية من إمكانية أن تسعى موسكو إلى استخدام مبررات تقنية من أجل وقف شحنات الغاز بشكل دائم والضغط عليها.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي: إنّ روسيا تستخدم الطاقة “سلاحاً في الحرب”، بدوره حذّر المحلل لدى “إس بي آي” لإدارة الأصول، ستيفن إنيس، من أنّه في حال “عدم إعادة تشغيل نورد ستريم 1، سيتراجع اليورو وسيشعر العالم بأسره بارتدادات الهزة الاقتصادية، بينما يمكن أن تتسبّب أزمة الطاقة الأوروبية بركود”.
وعلى النحو ذاته يحاول الخبراء إرجاع المخاطر الاقتصادية التي تتعرّض لها المصارف إلى خلفية أخرى متعلّقة فقط بانقطاع إمدادات الغاز الروسي، وليس بالأسباب التي أدّت أصلاً إلى هذا الانقطاع، وهي العقوبات المفروضة على روسيا من جانب واحد، كما أنهم يتجنّبون الإشارة إلى أن ذلك عائد إلى انسياق الدول الغربية خلف رغبة واشنطن في إصدار عقوبات هي أصلاً المستفيد الأول منها، في حين تضرّ الدول الأوروبية بالدرجة الأولى، وتهدّد بانهيار نظامها المالي قبل غيره.
ومن هنا لفتت خبيرة الصرف الأجنبي لدى “رابوبنك” جين فولي، إلى أنّ “الركود سيعني بالتأكيد أنّ الأسواق ستصبح أكثر قلقاً حيال مخاطر التجزئة في منطقة اليورو، وعلى غرار مصارف مركزية أخرى، يسعى البنك المركزي الأوروبي لتجنّب خنق الاقتصاد عبر رفع معدلات الفائدة بشكل كبير جداً، لكن عليه التفكير أيضاً في تجزئة محتملة لسوق الديون في ظل تباينات كبيرة في معدلات الاقتراض في أنحاء منطقة اليورو.
وقال محللو “ستاندارد أند بورز” في مذكّرة: “إذا كان البنك المركزي الأوروبي يهدف إلى إعطاء دفعة إلى اليورو، فسيتعيّن عليه رفع (معدل الفائدة) بمقدار 50 نقطة أساس في تموز”، والإشارة إلى أنّ تحرّكات (لرفعه) 75 نقطة أساس مطروحة لشهر أيلول، وأضافوا: إنّ “تعديلات أسرع في السياسة (النقدية) ستساعد الآن في تثبيت توقعات التضخم، وخفض الحاجة إلى موقف يقوم على سياسة تقييدية في وقت لاحق”.
وأوضح مصرف “يونيكريدت”: “بحلول نهاية العام، يفترض أن تدعم احتمالات تراجع التضخم والرسائل الأكثر توازناً من المصارف المركزية عودة الرغبة في المخاطرة، وتخفيف الطلب على الدولار الأميركي، مع اقتراب بلوغ المعدلات الرسمية ذروتها الدورية”. وأشار خبراؤه إلى أنّه، في حال تمّ ذلك، فسيكون بإمكان اليورو تجاوز مرحلة التكافؤ في الأشهر الأخيرة من عام 2022.