محاولات بحثية للوصول إلى رؤى اقتصادية مستقبلية لإصلاح الاقتصاد السوري
طرطوس- لؤي تفاحة
رغم كثرة المحاولات البحثية لمقاربة واقع الاقتصاد السوري من وجهة نظر أكاديمية عصرية، وربما أيضاً غير تقليدية، وما يعانيه هذا الواقع من حال متأزمة أو مأزومة، وعدم تبني الجهات المعنية وعدم رغبتها بتلقف مثل هكذا محاولات، ظلت هذه الأبحاث – ورقية كانت أو من خلال فلاشات مضغوطة – حبيسة أدراج المسؤولين وأصحاب القرار، ومع ذلك فقد حركت مثل تلك الأبحاث مياه الملتقيات والندوات الحوارية الراكدة أساساً رغم هشاشة الحضور المتخصّص وقلته في هذه الأمكنة، حيث بدت مقاعدها الفارغة تدلّ على مدى غياب مثل هذه الأهمية المفترض منحها من قبل أصحاب القرار ذاتهم، وهذه مدعاة للتساؤل؟!.
ومؤخراً، وبدعوة من فرع جمعية العلوم الاقتصادية في طرطوس وبالتعاون مع المركز الثقافي في المحافظة، تحدث الباحث الاقتصادي الدكتور رامي زيدان حول جملة ما يعانيه الاقتصاد السوري من صعوبات أرخت بظلال ثقيلة على مستوى نصيب الفرد، وكذلك مستوى الناتج المحلي ومعدل النمو، ولاسيما في ظلّ ما تشهده سورية من حرب مركبة الوسائل والأبعاد والأهداف، مبيناً أن أحد أهم أسباب هذه المعاناة يتجلّى في مسألة الزيادة السكانية ومخاطرها على مستوى التنمية في ظل ارتفاع غير مسبوق بمعدلاتها، خاصة وأن سورية تصنّف من أكثر الدول زيادة في معدل النمو السكاني، فقد ارتفع معدل النمو بعد عام 2011 أكثر من 3%.
ولمواجهة تداعيات النمو السكاني والذي يشكل بحسب الباحث عائقاً مهماً أمام مؤشرات التنمية ويتعارض مع معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي تضاؤل حجم “الكعكة الاقتصادية” بالنسبة للمجتمع السوري وأي مجتمع آخر، ووجود مشكلات مختلفة، يرى الباحث أن من الأهمية قيام المؤسسات المجتمعية وحتى الرسمية بدور فاعل يحدُّ من الزيادة، بهدف التقليل من مفرزات الزيادة والمتمثل أولها بوجود بطالة، محذراً من شرورها، وأخطرها تشكيل قنابل موقوتة تطيح بكثير من الحكومات وتحديداً عندما تزيد نسبتها أكثر من 6%، لافتاً إلى أن نسبة البطالة في سورية بلغت خلال السنوات القليلة الماضية أكثر من 12%، وأن خطرها ليس مقتصراً على الشخص العاطل عن العمل وإنما على المجتمع ومؤسساته وعلى مجمل ما يقدّم من خدمات.
زيدان أكد أهمية دور المشاريع الصغيرة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، مطالباً بدعمها وتمويلها كونها تشكّل نواة للاقتصاد ومحركاً لعجلة النمو. وهنا يستشهد بما اعتمدته الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولاسيما ألمانيا التي دُمّرت بالكامل، ومع ذلك استطاعت النهوض كقوة اقتصادية عملاقة، ورأى أنه ومن هنا يكمن الدور المطلوب والمستمر بالدفع نحو هذه المشاريع وتطويرها وتحفيز العاطلين، ولاسيما فئة الشباب نحوها، بما يضمن مستقبلاً ومصدراً مورداً للدخل، خاصة وأنها لا تحتاج لرأسمال كبير.
كما توقف زيدان عند مشكلة التوزيع غير العادل للاستثمارات كونها اعتمدت طريقة التوزيع العمودي وليس الأفقي، بخلاف ما هو موجود في العديد من الدول. فمن خلال خريطة توزع هذه المشاريع يلاحظ حصرها فقط في ثلاث محافظات رئيسية وهي دمشق وريفها وحلب، فيما تمّ حرمان باقي المحافظات تحت حجج ومبررات غير مقنعة، فمثلاً فيما يخصّ المنطقة الساحلية تمّ حرمانها من هذه المشاريع ولاسيما في الريف الساحلي، الأمر الذي أدى إلى هجرة أبنائه للمدن الساحلية التي تشكل أكبر كثافة سكانية مقارنة بمساحتها الصغيرة نسبياً، ووجود فقر حقيقي في هذا الريف الذي يمتلك الكثير من المزايا ومحفزات الاستثمار، حيث كان بالإمكان العمل على صورة معاكسة، وذلك من خلال إقامة الصناعات الصغيرة والخفيفة والمشاريع الاستثمارية التي تعمل على تحقيق تنمية مستدامة في العديد من المناطق.
ورأى الباحث أن من شأن التنمية الإقليمية تحفيز الكثيرين على البقاء في أريافهم وعدم الهجرة نحو المدن، هجرة يتطلّب استيعابها تأمين خدمات كبيرة في ظل كثافة سكانية وربما بطالة مقنعة، كما الحال بالنسبة للمرأة، حيث إن عدم تحقيق أية إنتاجية حقيقية وفاعلة لن يسهم بأي زيادة في معدل النمو الاقتصادي، لا بل سيكون ذلك عبئاً على ميزانية الحكومة ووارداتها ونفقاتها.
ومن ضمن عناوين الندوة الاقتصادية، لفت الباحث إلى دور الزراعة وما تشكله من أهمية بالناتج المحلي (ما بين 27-30%)، ومع ذلك فهي تعاني من سياسة ترسم حولها أكثر من علامة استفهام، إذ لم تعكس حقيقة هذه النسبة، علماً أن سورية تمتلك ثلاثة أنواع من الذهب الزراعي: الأبيض “القطن” والأصفر “القمح” والأخضر “الزيتون”، مشيراً إلى أن من أولى صعوبات الزراعة غياب الدعم للمزارعين وغياب سياسة التسويق المنتجة وغيرها الكثير. كما تضمنت مداخلات الباحث مسائل مهمّة، منها غياب موضوع ربط الجامعة بالمجتمع، وغياب السياسات الاستراتيجية البعيدة المدى، وأفكار أخرى حول مرحلة إعادة الإعمار، وأهمية إشراك الجميع في هذه المرحلة واستقطاب الكفاءات والخبرات الوطنية والصديقة.
وكانت مداخلات الحضور قد تركزت حول مناقشة تفاصيل ومضامين ما طُرح، وإجماعهم حول سؤال: هل من رغبة لدى أصحاب القرار للأخذ بها، أم ستكون كسابقاتها؟!.