الولايات المتحدة تفكّر في إيقاف الدعم لأوكرانيا.. وأوروبا تتمسّك بالوهم
تقرير إخباري
في الوقت الذي بدأت فيه الأوساط السياسية والإعلامية الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية تفكّر جدّياً في مسألة وقف الدعم العسكري لأوكرانيا على خلفية الأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية، لا تزال الدول الأوروبية تتمسّك بوهم القدرة على تحقيق نصر عسكري على روسيا في الميدان عبر حزم الدعم العسكري التي تقدّمها للنظام في كييف، رغم أنها تدرك حقيقة أن هذا الدعم يستنزفها مادياً في الوقت الذي تعاني فيه اقتصاداتها من وطأة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها من جانب واحد على روسيا على خلفية عمليّتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لا بل إن وزراء هذه الدول يحضرون اجتماعاتٍ لتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا ويسبقون ذلك بتصريحات تشير إلى عجزهم عن تحمّل تبعات أي عقوبات جديدة يفرضونها على موسكو.
فقد توقّعت صحيفة “إيكونوميست” قطع المساعدة العسكرية الأمريكية عن نظام زيلينسكي لمحاربة روسيا بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
ووفقاً لكاتبي المقال، فإن استياء يختمر في أوساط السياسيين الديمقراطيين، عقب الموافقة على ميزانية إضافية قدرها 40 مليار دولار دعماً لأوكرانيا، بسبب الإنفاق الهائل على دعم كييف.
وبناء على ذلك اعتبرت “الإيكونوميست” أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا قد يهتز بسبب 3 عوامل، أوّلها الانتصار المحتمل للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي، ومن بينهم شباب الحزب الذين “سيجعلون من الصعب تقديم المزيد من المساعدة لأوكرانيا”.
وقد صرّح أحد الديمقراطيين في مجلس النواب، روبن جاليغو، بأن كييف، في هذه الحالة، ستتوقف عن الحصول على الدعم على الإطلاق.
والعامل الثاني أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد أن يشرحوا للمواطنين الأمريكيين العاديين، السبب في إرسال أموال الموازنة العامة إلى بلد “على الجانب الآخر من العالم”، حيث أظهر المقال أن الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين آخذة في الاتساع. فمن بين الديمقراطيين يوافق 78% على تحمّل الزيادة في أسعار الوقود، و72% على تحمّل ارتفاع معدلات التضخم لمساعدة أوكرانيا، أما بين الجمهوريين فإن هاتين النسبتين هما 44% و39% على التوالي”.
والعامل الثالث الذي يمكن أن يحرم النظام في كييف من استثمارات الرعاية هو أن يُنظر للصراع كصراع طويل الأمد، تؤيّده إدارة الرئيس، جو بايدن، لأسباب “غير واضحة”، وتواصل توفير الأسلحة لإبقائه مشتعلاً.
وفي المقلب الآخر، أفاد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، بأن مجلس الاتحاد الأوروبي وافق على تخصيص حزمة خامسة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون يورو.
وكتب ميشيل في صفحته على “تويتر”: “أنا أرحب بالاتفاق السياسي لمجلس الاتحاد الأوروبي حول الحزمة الخامسة من المساعدات المالية لأوكرانيا… بذلك يبلغ دعم الاتحاد الأوروبي في شكل معدات عسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية 2,5 مليار يورو”.
ولكن عدداً من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي صرّح قبل الاجتماع بأنه ربما لا يمتلكون أوراقاً كثيرة يلعبونها ضدّ روسيا فيما يخص العقوبات الأوروبية التي يعتزمون فرضها عليها مجدّداً، فقد أعلن وزير الخارجية الهنغاري، بيتر سيارتو، أنه يجب على الاتحاد الأوروبي البحث عن طرق لتحقيق التسوية السلمية في أوكرانيا بدلاً من صياغة عقوبات جديدة ضد روسيا.
وكتب سيارتو في صفحته على “فيسبوك” قبل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل: “يتدهور الوضع العسكري، لكن بروكسل تقوم بصياغة حزمة جديدة من العقوبات بدلاً من إحلال السلام”.
وأضاف: “إن السلام هو الحل الوحيد الذي يسمح لاحقاً بمنع وقوع ضحايا بشرية لا معنى لها وإزالة التضخم والتغلب على الغموض الكامل في مجال الطاقة وإزالة الصعوبات في مجال إمدادات الغذاء”.
جاء ذلك بينما قال نظيره النمساوي ألكسندر شالنبرغ: إن التخلي عن الغاز الروسي موضوع لا يناقش.
وذكر شالنبرغ في حديثه أمام الصحفيين بعد وصوله إلى بروكسل للمشاركة في جلسة مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أن النمسا كانت تعلن منذ البداية أن العقوبات ضد روسيا يجب أن تضرب روسيا بالذات ويجب ألا ترتد على الاتحاد الأوروبي نفسه.
وأضاف: “الكلمة الرئيسية هنا هي الغاز. كانت تجري هناك سابقاً مناقشة شديدة مفادها أنه يجب التخلي عن تلقي الغاز، ونحن مثل عدد من الدول الأخرى، قلنا بوضوح إن هذا الموضوع لا يناقش، لأنه سيتناولنا بشكل كبير. هنا يجب أن نكون واقعيين حتى إذا لم يكن ذلك ساراً عاطفياً”.
وتساءل: “ما هو البديل لذلك؟ هل يجب أن ننظر وألا نعمل شيئاً؟”.
وبالمحصلة نجد أن واشنطن التي حرّضت أوروبا على فرض العقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا عسكرياً في مواجهتها بدأت تتنصّل من التزاماتها في هذا الشأن، بينما لا تزال الدول الأوروبية تحلم في إمكانية تحقيق أيّ خرق يؤدّي إلى الانتصار على موسكو، وهذا ما يؤكّد أن البيت الأبيض قاد الأوروبيين إلى الانتحار في أوكرانيا، في الوقت الذي اختار فيه أن يفكّر بواقعية نوعاً ما فيما يخص التراجع عن هذا النهج تحت ضغط الظروف السياسية والاقتصادية الضاغطة.
طلال ياسر الزعبي