زيارة بايدن
عبد الكريم النّاعم
زيارة بايدن للمنطقة يمكن التوقّف عند أكثر من مفصل فيها، وفيها من الدلالات العميقة ما لا يحتاج إلى كبير ذكاء، وإنْ كان يحتاج إلى الكثير من يقظة الوجدان لدى بعض الجهات المعنيّة بالشأن الفلسطيني.
بكلام واضح لا لبس فيه، قال بايدن إنّه (صهيوني)، ولئن كانت الصهيَنة ليست جديدة في حياة معظم الرؤساء الأمريكان غير أنّ التصريح بها، ومن الأرض المحتلّة، يُفترَض أنْ يعني شيئاً لمن يزعمون أنّهم مهتمّون بالقضيّة الفلسطينية من أهل هذه البلاد.
ما سبق يثيرُ من جديد مسألة مَن يحكم الآخر، الصهيونية أم واشنطن، ولن نتوه في ذلك الفضاء، على الرغم من أنّ بايدن رئيس أكبر وأقوى قوّة في العالم، والمؤكَّد في هذه المسألة أنّ العلاقة عضويّة بين تل أبيب وواشنطن، وليس مهمّاً بعد ذلك مَن يأمر الآخر، فما بينهما لا يحتاج إلى حاكم ومحكوم، فالمهمّ تنفيذ ما يتفقان عليه، وما يتفقان عليه ليس فيه شيء لمصلحة أهل هذه المنطقة، ورغم ذلك فما زال جماعة أوسلو يراهنون على كلام ملتبِس تفوّه به الرئيس الأمريكي أثناء لقائه بايدن، ورغم ذلك الالتباس، قياساً إلى المواقف الصريحة التي قالها بايدن، فإنّ أيتام أوسلو يصرّون على تمديد عمر تلك الجثّة التي تعفّنت.
بايدن يطير مباشرة من أحد مطارات فلسطين المحتلّة إلى المملكة السعوديّة، وفي ذلك معان لا تحتاج إلى ذكاء كبير، ولا تخفى معانيه إلاّ على غبيّ شديد الغباء أو مُتغابٍ عنيد، وفي ذلك ما يشير إلى التقدّم المبرمَج الهادف لنقلة نوعيّة لتشكيل حلف في المنطقة في مواجهة حلف المقاومة، وإيران، تشكّل إسرائيل عمود الخيمة فيه، وقد لا يطول الوقت حتى يجري الإعلان عن هذا الحلف.
تُرى أهذا كلّه يمكن أن يشكّل ضمانة ترتاح إليها إسرائيل؟!!.
إنّ ما سبق حتى لو تحقّق، وبعضه شبه متحقق في عواصم عربيّة، فإنّه لن يشكّل ضمانة أبديّة لهذا الكيان السرطاني الدخيل، لأنّ التهديد، بحسب ما تشعر به كلّ من واشنطن وتل أبيب يأتي من حلف المقاومة، وهذا الحلف يزداد قوّة، وتتعاظم قدراته، ويضاف إليه موقف إيران الثورة الإسلاميّة من مسألة فلسطين. إذن فالتهديد واسع ومتقدّم، وهذا ما يعترف به المحلّلون السياسيون والاستراتيجيون في إسرائيل، فقد صرّح أكثر من واحد منهم بأنّ إسرائيل تشعر بتهديد لوجودها، وليس مجرّد مواجهة مع القوى الوطنيّة الدّاعية إلى التحرير، ولقد تشابكت المصالح بين حلف المقاومة وطهران حدّ أن أصبحت حقيقة لا يُماري فيها إلا مُماحك، وليس خفيّاً مبلغ ما وصلت إليه إيران من تطوير قدراتها العسكريّة الدفاعيّة المُتعاظمة، كما لا يخفى ما أصبح عليه حزب الله من قوّة، بحيث يعتبرها الصهاينة التهديد الأخطر، كما أنّ تعاظم قوّة المواجهة تنامتْ في الأرض المحتلّة، ولاسيّما في غزّة، تنامياً يجعل إسرائيل تفكّر قبل الإقدام على أيّ اعتداء.
إنّ ما سبق يشير إلى أنّ الصهاينة والأمريكان لن يقفوا متفرجين تجاه ما يحدث من تطوّرات، ولذا فقد يعمدون إلى إشعال الحرائق الداخليّة من جديد، في المواقع التي يستطيعون إحداث حرائق فيها، وقد تكون دمشق وبيروت معنيّتين بذلك أكثر من غيرهما، وهذا يوجب الكثير من اليقظة، وتحصين الذات، وسدّ الثغرات التي يمكن أن (يتسرّب) منها العملاء، أو أن (يستيقظوا) في الأماكن التي نيّمتهم فيها قوى الخارج المشبوهة.
المرحلة حسّاسة وخطيرة وتحتاج إلى بصيرة نافذة، وإرادة حازمة، وقدرة على معرفة أماكن الخلل، فلقد بيّنت التجارب التي مرّت فيها هذه البلاد أنّ الأخذ من داخل هو السلاح الأخطر.
aaalnaem@gmail. com