سورية في مقاربة حرب روسيا
علي اليوسف
عندما بدأت الحرب الإرهابية على سورية، راهن المتآمرون على سقوط الدولة السورية، وتم تحديد مواعيد للانهيار، ورسم سيناريوهات لما بعد السقوط، لكن مع مرور العام الأول من تلك الحرب لم يحصد هؤلاء المتآمرون ما رسموه في أحلامهم، بل على العكس زادت صلابة الدولة السورية، واستوعبت الصدمة الأولى التي أتتها من كل حدب وصوب، وأعادت ترتيب أوراق المواجهة لما بعد الصدمة رويداً رويداً، حيث أعاد الجيش العربي السوري بمساعدة الحلفاء السيطرة على ما تم اشعاله واحتلاله من قبل أصحاب المشاريع التدميرية لتبقى الدولة السورية بمؤسساتها وهيبتها صامدة الى ما نراه اليوم من إعادة اعمار المنشآت الاقتصادية والصناعية التي تشكل الرافعة لمرحلة ما بعد التحرير النهائي للأراضي المحتلة، والتحرر الكامل من تبعات الارهاب والإرهابيين.
خلال فترة المواجهات الكبرى، انبرت بعض الأصوات للتقليل من شأن ما تقوم به الدولة السورية، وعلى رأس تلك الدول مشيخة قطر التي لم توفر أي جهد للنيل من سورية، لكن مع مرور الأيام بدأت تلك الأصوات وهي من عيار “أمير” و”ملك” و”رئيس”، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، فقد تبدلت حكومات وابتعد رؤساء عن الحياة السياسية ممن كانوا أشد المعادين للدولة السورية، وحين انكشفت مؤامراتهم خرج العديد منهم على الإعلام المحلي والأجنبي لتحميل المسؤولية للأطراف الأخرى وكأن ليس لهم ذنب فيما اقترفوه. ورغم هذا الاعتراف، إلا أن الشعب السوري الصامد حتى الآن على تبعات الارهاب والعقوبات الاقتصادية وظلم “الأشقاء”، لن ينسى الجرح ولن ينسى من وقف معه.
الحالة السورية تنطبق في بعض من جزئياتها على الحالة الروسية في عمليتها الخاصة في أوكرانيا، إذ منذ بدء المعارك انبرى العالم للوقوف ضد روسيا، واتخذت كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضدها هي الأولى من نوعها في التاريخ، وأرسلوا المرتزقة للقتال ضد القوات الروسية.
وكما سورية، انبرت بريطانيا لتكون بوق العالم ضد روسيا، حالها حال مشيخة قطر في الحالة السورية، ومنذ الأيام الأولى للمعارك وحده بوريس جونسون، رئيس الوزراء المستقيل بقوة السحر الروسي كما السحر السوري، أخذ على عاتقه مهاجمة روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلهجة وصوت كان لافتاً في قلة أدبه وخروجه عن الدبلوماسية، حتى أنه في بعض الأحيان أصبح يتطاول شخصياً على الرئيس الروسي بوتين، لكن النتيجة كانت أنه ابتعد عن الحياة السياسية كما جرى مع أمراء مشيخة قطر، لأنهم غير مؤهلين ليكونوا في مواقع سياسية، ولأن علاقاتهم الدبلوماسية مع الآخرين تسيطر عليها الأحقاد والضغائن، وهذا لا ينفع في العمل الدبلوماسي.
وما دامت النتائج في خواتيمها، فإن هناك سلسلة ستتفكك في أوروبا بعد جونسون، وسيرحل رؤساء عن مناصبهم بفعل العواقب الاقتصادية التي ارتدت عليهم، حيث بدأ مواطنو أوروبا يشعرون بها، وبطبيعة الحال لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سينقلبون على رؤسائهم الذين أخطأوا في سياساتهم الحربية على حساب السياسات الاقتصادية والمعيشية، ولأنهم ساروا وراء الولايات المتحدة دون التفكير لما سيجري لاحقاً في قلب أوروبا سواء لجهة الانهيارات الاقتصادية المحتملة، وعودة الارهابيين وما يتبعه من مشاكل قد لا تكون أوروبا قادرة على تحملها، بل مواجهتها، وبالتالي قد تشهد الأيام القادمة ثورات ملونة وغير ملونة من صناعة أوروبية خالصة.