دراساتصحيفة البعث

قوة “البريكس” ودورها الجيو استراتيجي في العالم

ريا خوري

مع استمرار حدّة النزاعات الدولية والصراعات العالمية، ازدادت التكتلات والمحاور الدولية توسعاً وقوة، ليكون لها دور كبير في عملية التحولات الكبرى في العالم، حيث بدأت تأخذ منعطفاً جديداً وحاسماً في سياق المواجهة الساخنة بين روسيا والصين وحلفائهما، وبين الغرب الأمريكي الأوروبي وحلفائه من دول الناتو وبعض دول العالم.

هذه التكتلات والمحاور أخذت شكلاً جديداً بعد الاجتماع الأخير لحلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي قرّر أن يوسّع من نطاق صراعه مع الشرق بشكلٍ عام، حيث أرادت الولايات المتحدة انطلاقاً من هذا الاجتماع أن ترهن دعمها العسكري القوي لدول أوروبا بدعم حربها الاقتصادية مع الصين.

هذه التطورات المتسارعة والمهمّة تعيد إلى معترك السياسة الدولية مسألة التوازنات بين الغرب الأوروبي- الأمريكي وباقي دول العالم، ولاسيما مع تكتل دول (البريكس) الذي يضمّ قوى دولية صاعدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، لا تسعى بالضرورة إلى مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة بشكلٍ خاص ومع الدول الأوروبية الغربية بشكلٍ عام، لكنها تسعى طامحةً إلى إعادة بناء العلاقات الدولية على قواعد أكثر إنصافاً وعدلاً.

الجدير بالذكر أن عودة مجموعة دول (البريكس) إلى الواجهة السياسية العالمية تجري في سياق وضع دولي مضطرب وغير مستقر، يتميّز بارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز والغذاء واضطراب غير مسبوق في سلاسل التوريد على مستوى التجارة العالمية، والتبادل المالي. وبالتالي، على الرغم من تواضع الناتج الداخلي الخام لمجموعة (البريكس) مجتمعةً مقارنة بالقوة الاقتصادية للدول الغربية، إلا أن الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز والفحم الحجري التي تمتلكها بعض دول (البريكس) تجعل هذه المجموعة مرشحة للعب دور أساسي ومحوري في رسم مستقبل العلاقات الدولية خلال العقود المقبلة. وفضلاً عن ذلك فإن توسّع مجموعة (البريكس) لتضم دولاً كبيرة وازنة مثل إندونيسيا والأرجنتين وجمهورية مصر يمكنه أن يغيّر بشكل كبير من موازين القوى في العالم.

في هذا السياق، لا يستبعد الاستراتيجيون، في حال فشل محاولات إعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية الخليجية، أن يشكل انضمام دول الخليج الكبرى إلى هذه المجموعة، حسب التوقعات في المستقبل، دعماً كبيراً لها.

لقد تزايد حجم إسهام مجموعة البريكس في الاقتصاد العالمي بشكلٍ كبير، وخاصة بعد تحول الصين إلى مصنع ضخم للعالم بعد أن تضاعف ناتجها الداخلي الخام بمعدل أربعة عشر بالمائة خلال اثنين وعشرين عاماً، وأصبحت الهند أكثر قوةً وثراءً من ذي قبل بنسبة تجاوزت سبع مرات، وارتفع معدل ثروة روسيا بنسبة أربعين بالمائة خلال العشرين سنة الماضية.

الجدير بالذكر في هذا السياق أن عالم الاقتصاد الدكتور جوليان فيركوي هو أول من أطلق تسمية “البريك” على مجموعة الدول المتسابقة نحو القمة الاقتصادية في عام 2001، والتي اعتبرت الأساس الأول لبناء وتأسيس هذه الكتلة الضخمة في العالم.

إن القوة الأساسية في مجموعة (البريكس) تكمن في قدرتها الكبيرة على قلب الأوضاع الاقتصادية في العالم، كونها تملك احتياطيات كبرى من المواد الأولية الطبيعية، ومن أهمها النفط والغاز والمواد الغذائية التي تزايد تأثيرها في الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة، وتضمّ أيضاً قوتين آسيويتين مهمتين هما الصين والهند اللتان تعتبران من أكثر دول العالم تصديراً لمنتجات الصناعات التحويلية، فقد تمّ تصنيف الهند على سبيل المثال كأكبر مصدّر في العالم لليد العاملة الماهرة والمدرّبة في مختلف المجالات والأنشطة، وخاصة في مجال التكنولوجيات الحديثة المتقدمة، وتعتبر جالياتها المهاجرة أكبر تجمع للشتات في العالم، وتعدّ أيضاً أكبر مصدّر للمنتجات الصيدلانية ولخدمات المعلوماتية المهمّة والضرورية، وذلك على الرغم من أن روسيا مثلاً، مازالت تعتمد في المقابل بشكل واسع وكبير على اقتصاد ريعي قائم على تصدير المواد الأولية المهمّة إلى جانب الصناعات العسكرية المتفوقة التي تسهم بنسب متواضعة في ناتجها الداخلي الخام بشكل عام.

إن حالة التراخي والجمود التي تميّز القدرات الاقتصادية للغرب الأوروبي، والصعوبات الجمّة التي يواجهها من أجل مواصلة هيمنته وسطوته على العالم، إضافة إلى ظهور بوادر قلة وشحّ في مصادر الطاقة من نفط وغاز وفحم حجري مع تزايد دورها الجيواستراتيجي واختلال التوازن بين العرض والطلب في العالم، كلها عوامل مهمّة وضرورية ساهمت وتسهم بدرجات متفاوتة في تنامي قوة مجموعة دول (البريكس) وتضاعف من قدرتها على  انضمام قوى صاعدة.

وعليه فإن تأثير دول مجموعة (البريكس) في العالم وفي مستقبل العلاقات الدولية سيكون حاسماً خلال الأعوام المقبلة، وخاصة إذا فشلت مساعي الغرب الأوروبي- الأمريكي بقيادة الولايات المتحدة في عزل روسيا والصين عن محيطهما الدولي والإقليمي، وإذا تعثرت أيضاً مساعي بريطانيا الهادفة إلى استعادة تأثيرها على صنّاع القرار في الهند.