استعمار الألوان الهدامة للبنيان
غالية خوجة
ما ذنب ألوان الطيف عندما يوظّفها المنحرفون كإشارات ورموز لتوصيل رسالة سيئة الأخلاق؟ وما ذنب قوس قزح عندما تتحوّل ألوانه إلى رمز لهدم المجتمعات من داخلها؟
من قوي بنيانه الداخلي لا تهمّه الموبئات، وبناء الفرد يبني المجتمع، والعكس صحيح، أي بناء المجتمع يبني الفرد، وكلّ منهما يحصّن الآخر، لأن الجزء والكلّ موجات متناغمة تتشكّل وتُشكّل.
لذا، لا بدّ من الإشارة إلى غزو لوني جديد واستعمار ظلامي جديد، ينتشر على الكرة الأرضية بحجة الحرية الفردية والمجتمعية ليكتمل دسّ السمّ في الدسم.
وعادة ما تكون الفئة الغضّة والشابة هي المستهدفة، فإذا تمّت توعيتها فلن تفيد معها هذه الأشكال من الاستعمارات الهادفة إلى تحطيم ما تبقّى من قيم من خلال تدمير الأخلاق الباقية والمستقبلية في مجتمع ما.
ومعروف أن الآخر يستهدف المجتمع العربي، كعادته، فيصدّر له الرموز بإنسانية مخملية زائفة، من خلال الألعاب التكنولوجية، ومجموعات التواصل الاجتماعي، والألعاب الملموسة الموجّهة للطفل الذي يلعب بها مع أهله وأقرانه دون أن يعي كلّ هؤلاء أبعادها، مثل الطائرة الورقية الملونة الرامزة للمثلية الجنسية!
إن المستعمر والإرهابي الراغب في تحطيم القيم بحجة المدنية والحرية يعي كيف يجذّر رسالته، لتتحوّل، تدريجياً، ومع مرور الزمن، إلى حالة مألوفة، طبيعية، بديهية، وكل ذلك مدروس بعدة علوم اجتماعية ونفسية ودبلوماسية وفنية وتقانية.
والسؤال: لماذا لا تولي الغالبية الأهمية لتفكيك “الشيفرات” التي تستهدفنا إلاّ بعد أن تصيب؟ لماذا لا ندرك، قبل فوات الأوان، ما يمنهجونه من خططهم الهادفة إلى تدميرنا بمختلف الأسلحة المادية والمعنوية، والتي يفصّلونها على مقاييس فهمنا، أو عدم فهمنا، أو جهلنا؟ لأن وعي الغالبية، غالباً، خارج التغطية المضيئة، داخل التغطية التي يراد لها أن تبدو براقة لكنها ترمي سهامها ورماحها وقذائفها بهدوء وطمأنينة وسعادة، وتساعدها الغالبية في الرمي على ذاتها ومحيطها ومجتمعها ومستقبلها، مما يجعلها أكثر هشاشة من الهشاشة، ويسهّل على عدوها اصطيادها كفريسة سهلة، ويسهّل عليه التحكم بها عن بُعد وكأنها كائن آلي “روبوت”، أو كائن حي تمّت برمجته بيُسرٍ شديد، فيصبح كالمنوّم مغناطيسياً إلى الأبد.
ولمن كان منتبهاً، سبقت هذه المرحلة الملوّنة مرحلة سوداء وبيضاء، ولذا، لا بدّ وأن هذا المنتبه قد لاحظ كيف وظفوا اللونين الأسود والأبيض في مشروعهم الإرهابي، لدرجة توظيف هذين اللونين في الدبلوماسية الحياتية من ألبسة وإكسسوارت وأطعمة ومشروبات، وفي الدبلوماسية الفنية والثقافية من معارض تشكيلية وحفلات موسيقية واقعية وافتراضية، ومنها موسيقا “الديجيتال” المعادل لمفعول المخدرات، ومنها الألعاب الواقعية والافتراضية.
وللمنتبه، أيضاً، أن يتذكّر كيف سبقت هاتين المرحلتين “السوداء والبيضاء” و”الملونة”، مرحلة تحويل بدلة الفدائي الفلسطيني إلى “موضة استعمارية” من أزياء وإكسسوارات عصرية متداولة بين الناس في مختلف المجتمعات، وكانت تهدف إلى تفريغ قداسة المقاومة الفلسطينية.
أكثر من هذا، يدفعنا للتساؤل: كيف لألغامهم وزارعيها في العقول والسلوك أن يكونوا بين مجتمعاتنا العربية؟ ويمرروا ما يمررونه بهذه السهولة؟
ثغرات ظلامهم ما زالت تفتتح بواباتها ويفتتحها معهم ثلة من الذين يعون، وفئات من الذين لا يعون ولا يدركون ما أبعاد هذه الرموز اللونية وأهدافها البعيدة والقريبة.
مجتمعنا العربي بحاجة إلى من يساهم في تفعيل وعيه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، كي لا تبقى الناس موهومة، غير مدركة بأنها تؤسّس ذاتها لتدمير ذاتها ذاتياً، لأنها تساهم في انهيارها من الداخل بأقوى سلاح ظلامي، وأقوى تدمير ظلامي!.