الأغباني.. حرفة ما زالت مستمرة رغم الصعوبات ومعرض أنس غنام حافل
رأى د. عمار نهار أن حرفة الأغباني المتجذّرة بدمشق تجمع بين التراث المادي واللامادي في آن واحد، فالقماش يعدّ من التراث المادي، أما مهارة الحرفي ومراحل تنفيذ تطريز الرسومات فهي من التراث اللامادي، وذلك في الندوة التي ترافقت مع معرض الأغباني للحرفي أنس غنام المقام في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة.
وخلال الندوة التي أدارها د. عمار نهار أثيرت مسائل متعلقة بحرفة الأغباني، مبتدئاً بالتركيز على مفردة حرفة وليست مهنة، فالأغباني إحدى الحرف الدمشقية التراثية التي تفتخر بها سورية، ومشيراً إلى تفسير تسمية أغباني التي تعود إلى مقولات عدة، منها أنها تنتمي لعائلتي آغا وبان فاندمجت بأغباني، وبأنها ارتبطت بالتقاليد الراقية.
طوشة النصارى
ولم تتخذ الندوة بمشاركة م. محمد دبور ود. خالد فياض الطابع التراثي لهذه الحرفة، وإنما كانت ذات بعد تاريخي أيضاً بالتطرق إلى قضية “طوشة النصارى” عام 1860 والتي أثارتها فرنسا بغية القضاء على الحرير الطبيعي الذي كانت تنتجه سورية ويفوق الحرير الصيني والفرنسي. وبالتأكيد هذه الحادثة أثرت على مسار حرفة الأغباني التي مازالت مستمرة رغم كل الصعوبات حتى الآن.
العريشة والفلة
فاستحضر دبور تاريخ هذه الحرفة العريقة في دمشق مهد الحضارات والتي زيّنت القصور وبيوتات دمشق الثرية، وتحدث عن مراحل تصنيع منسوجات الأغباني التي تعود إلى أكثر من خمسمئة عام من قماش القطن أو الكتان على الأنوال اليدوية والمطرزة بخيوط الحرير أو الأوركانزا بخيوط الفيسكوز البيضاء والفضية والذهبية، ثم أدخلت الألوان الزاهية والغامقة وخاصة الأسود، ومن ثم عملية طباعة رسومات النباتات والورود والزخارف الهندسية على القماش القطني بواسطة القوالب الخشبية، ثم تقوم النساء بالتطريز وفق العديد من الغرزات، منها الفراشة والوردة الدمشقية ودعسة القطة والسلطعان والعريشة والفلة وسقف القاعة.. وغيرها، وبيّن أنواع التطريز التي تقسم إلى ثلاثة، الطلس ويعني تطريز القطعة بالكامل، وتطريز الرش أي تطريز جوانب القطعة، والأجمل التطريز النافر الذي يشبه الكريستال.
فأل خير
وتابع دبور عن العادات الاجتماعية التي ارتبطت بالأغباني بزمن الطربوش وحطة الرأس و”القمباز”، وعن ضرورة ارتداء العريس ثوب الأغباني لما له من فأل خير بقدوم العروس. وتوقف عند التطريز اليدوي المطلوب أكثر من التطريز نصف اليدوي بالماكينات، وعن تطور هذه الحرفة بإدخال الكمبيوتر بالرسم والطباعة الآلية، وأسماء العائلات التي ارتبطت بالأغباني مثل مراد ومعراوي.
الأغباني والصوفية
والملفت بمشاركة د. خالد فياض أنه عاد إلى زمن الصوفية في الهند وارتداء الصوفيين القلنسوة والثياب المزخرفة بخيوط الحرير، ورأى أن حرفة الأغباني قديمة العهد تعود إلى الصوفية، ومن ثم انتشرت في دمشق وحلب، وقد أطلق عليها حرفة البيوت، مشيداً بالدور الكبير لنساء دوما بتطوير تطريز الأغباني الذي ارتبط بيومياتهن، إذ غدت ماكينة التطريز جزءاً من جهاز العروس.
التأريخ والتوثيق
ثم استعرض من خلال الشاشة متتالية من الصور التي توثق أسواق دمشق ومراحل تصنيع الأغباني، وانتقل إلى الوضع الحالي وتراجع هذه الحرفة نتيجة الحرب الإرهابية على سورية، ومن ثم غلاء الأسعار ورفع سعر القماش والخيوط ما أدى إلى تراجع نسبة الشراء، وتوقف عند أهمية التأريخ لهذه الحرفة وتوثيقها وتوارثها من جيل إلى آخر، مشيداً بالدور الذي تقوم به حالياً الأمانة العامة للتنمية بتركيزها على الحرف التراثية في الوقت الحالي لكن لابد من ربط الزمن الحالي بالتأريخ والتوثيق.
التراث والهوية
مداخلات كثيرة حظيت بها الندوة طال بعضها دور التطريز الفلسطيني الذي كان له دور بالحفاظ على التراث الفلسطيني في وجه الصهاينة، وأكدت السيدة رباب أحمد مديرة المركز أن الحفاظ على الحرف التراثية كأحد أشكال التراث واجب وطني، كما تطرقت المداخلات إلى دور الإعلام بإيضاح الصعوبات التي تتعرّض لها الحرف التراثية.
الشرشف والعباءات
وقبل الندوة افتُتح معرض الحرفي أنس غنام للأغباني في صالة المركز التي تلألأت بقماش الأغباني التقليدي المزخرف بالذهبي والفضي وبالأغباني المطوّر بالألوان الزاهية على القماش الأسود، وبتلاقي عدة ألوان على القماش الأبيض مثل الذهبي والفضي والسماوي، وتدرجات البنفسجيات في قطعة أخرى، والخمري والأزرق، أما العباءات النسائية فشغلت حيزاً من المعرض بألوان متنوعة، أجملها الأحمر الفاقع ثم الأخضر والأزرق ودرجات البني.
وقد أوضح غنام في حديثه لـ”البعث” أن الهدف من المعرض تعريف الأجيال بمنتجات الأغباني الدمشقي، مستخدماً الألوان التي كانت سائدة في المجتمعات في كل المراحل الزمنية، كما اشتغل على الأسود بسبعة ألوان خيط حرير بشكل متداخل، ويبقى الأغباني الأساسي بالخيط الذهبي والفضي على القماش القطني.
وتابع عن الشرشف الأغباني بالمعرض والمنتج بقياسات مختلفة وفق حجم طاولة السفرة، فكل شرف مع محارم على عدد الكراسي، وأشار إلى الشرشف الأغباني الذي شغل الجدار وكان القطعة الأساسية بالمعرض بطول أربعة أمتار واشتغل أيضاً بطول سبعة أمتار. أما عن أنواع الخيوط فهي خيط الحرير وخيط القصب، والقماش قطني بالكامل إنتاج الدولة -الشركة الخماسية السورية- ولا يمكن تغيير هذا النمط الخاص بالأغباني، وأشار إلى الفرق بين خيط الحرير الصناعي والطبيعي الذي كان مستخدماً في الماضي، كما تحدث عن الصعوبات بندرة وجود الخيط الذهبي ومحاولة الحصول عليه من حلب.
ملده شويكاني