مجلة البعث الأسبوعية

أُنس جابر تسير بثبات نحو قمة كرة المضرب… وتفتح الباب مشرعاً أمام طموحات اللاعبين العرب

البعث الأسبوعيّة – سامر الخيّر

أبهرت نجمة التنس التونسية أُنس جابر العالم بوصولها إلى وصافة ترتيب رابطة محترفات التنس، وبعد ذلك الوصول إلى نهائي بطولة ويمبلدون أعرق البطولة الأربعة الكبرى لكرة المضرب، كأول عربية وأفريقية تصل لأحد نهائيات بطولات الغراند سلام، لتخسر بفارق الخبرة تاركةً بصمةً كبرى في أذهان عشاق اللعبة ومتابعيها حول العالم، حيث بات الجميع يترقب المزيد من هذه البطلة التي صنعت نفسها بنفسها مدفوعة بالإصرار والعزيمة.

وتُعرف أُنس بأسلوب لعب خاص في طريقة التعامل مع منافساتها خلال المباراة، وتبحث عن تقديم العروض الجميلة، فتبحث دائماً عن خلق الفرجة بتنويع اللعب بتسديدات تفاجئ بها الخصم، وخصوصاً منها عبر الكرات القصيرة، لتكون ملكة الدروب شوت، وتأمل جابر فتح الباب أمام الشباب في العالمين العربي والأفريقي ودفعهم لتحقيق إنجاز مماثل، لكن مسيرة “وزيرة السعادة” كما يحلو لعشاقها تسميتها، لم تكن مفروشة بالورود وكان عليها تجاوز الخيبات والتحلي بالمثابرة والتحدي لتحقيق حلمها في رياضة يعتبرها الكثيرون حكراً على الأغنياء، فقد تطلب الأمر منها اللعب عشر سنوات في صفوف محترفات اللعبة لتصبح رقماً صعباً في تنس السيدات.

ابنة قصر هلال في تونس تحتل حالياً المرتبة الثانية عالمياً في تصنيف رابطة محترفات التنس الصادر في 27 حزيران الماضي، وهي اللاعبة التونسية رقم 1 وأفضل لاعبة تنس أفريقية وعربية ترتيباً في تاريخ الاتحاد الدولي لكرة المضرب ورابطة محترفات التنس، حيث فازت بثلاثة ألقاب فردية في جولات رابطة محترفات التنس بالإضافة إلى 11 لقباً فردياً ولقب زوجي واحد على مستوى الاتحاد الدولي لكرة المضرب.

دخلت جابر عالم الكرة الصفراء في سن الرابعة من قبل والدتها سميرة الحشفي لاعبة تنس هاوية في نادي التنس بالمنستير في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وفي ذلك الوقت كانت تصطحب ابنتها إلى ملاعب التدريبات وكانت تتكفل بمهمة جمع الكرات، وشيئاً فشيئاً بدأ ولع أنس جابر بالكرة الصفراء ينمو إلى أن اختارها مدرب نادي التنس بحمام سوسة، نبيل مليكة، لتكون ضمن فريق البراعم وتبدأ في صقل موهبتها، لتصل إلى نهائيين فرديين للناشئين في دورة فرنسا المفتوحة عامي 2010 و 2011 وفازت باللقب في 2011، و كانت أول لاعبة عربية تفوز بلقب فردي غراند سلام للناشئين منذ أن فاز المصري إسماعيل الشافعي بلقب ويمبلدون للشباب في 1964، بعد ما يقرب من عقد من اللعب في المقام الأول على مستوى الاتحاد الدولي لكرة المضرب، بدأت أنس المنافسة بشكل أكثر انتظاماً في جولات رابطة محترفات التنس بداية من عام 2017، ونجحت في دخل نادي أفضل 100 لاعبة في العالم، ونجحت في بلوغ أول نهائي لها في المحترفات بدورة موسكو المفتوحة سنة 2018.

وأصبحت أنس أول لاعبة عربية تصل إلى ربع نهائي بطولة كبرى في بطولة أستراليا المفتوحة للتنس عام 2020، وهو إنجاز كررته في بطولة ويمبلدون 2021، وفازت بأول لقب على مستوى رابطة محترفات التنس خلال بطولة برمنغهام كلاسيك 2021، لتصبح أول امرأة عربية تفوز بلقب بطولة اتحاد لاعبات التنس المحترفات، ثم فازت بأكبر لقب لها في مدريد للماسترز 2022 وهو حدث نقطة 1000، لتصبح أول لاعبة أفريقية وعربية تفوز بلقب على هذا المستوى، وفي عام 2019 تحصلت أنس على جائزة المرأة العربية في فئة الرياضة، ويدربها حالياً التونسي عصام جلالي، وهي متزوجة من لاعب المبارزة بالسيف التونسي كريم كمون الذي يشغل خطة معدها البدني منذ عام 2017، ولطالما صرحت بأنه أحد أهم أسباب نجاحها بدعمه لها معنويا ًوتدريبياً.

وإضافةً لزوجها هناك عوامل عدة ساعدت أنس لبلوغ طموحها لعلنا نهتدي منها ونرتقي بواقع اللعبة في بلدنا، حيث كانت تكتفي خلال الأعوام الماضية بالفوز على بعض اللاعبات صاحبات التصنيف العالمي العالي، وتقدم مباريات رائعة في عديد البطولات التي تشارك فيها، لكن ينقصها خطوة وحيدة عن تحقيق الإنجازات، ويبدو انت هذه الخطو كانت التعاقد مع المعدة الذهنية الفرنسية ميلاني مايار، التي أصبحت ترافقها في جميع البطولات التي تشارك فيها، وهو ما لا ينقص شيئا من قيمة العمل الذي يقوم به مدربها وليد الجلالي ومعدها البدني كريم كمون، لكن المعدة الذهنية عملت كثيراً على أن تتحلى التونسية ببرودة الأعصاب حتى في الأوقات الصعبة من المباريات الهامة، ولا تدخل في حالات الغضب التي كانت تنتابها.

ليس هذا فحسب، فكل من تابعها منذ بداياتها الاحترافية توقع لها مستقبلاً باهراً خصوصاً بعد فوزها ببطولة رولان غاروس في صنف الشباب، لكن ذلك لم يحدث في السنوات الأولى من مسيرتها، بسبب افتقارها إلى عامل الخبرة وصغر سنها، وهو ما تجاوزته في الفترة الأخيرة، يضاف لذلك كله دعم المهتمين باللعبة والقائمين عليها في بلدها، والتحدي القادم لأنس هو الوصول للمرتبة الأولى عالمياً، وهو هدف مشروع لا تخفيه عن دائرة مقربيها، ومن ثمّ الفوز في نهائي أحد البطولات الكبرى لتخلد اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ الكرة الصفراء.