جولة بايدن الشرق أوسطية … السياسة الخارجية الأمريكية المفلسة على الملأ
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
في محاولة مستميتة لجعل دول الشرق الأوسط تنحاز إلى جانب الولايات المتحدة ضد روسيا والصين وإيران، أظهر الرئيس جو بايدن من خلال “جولة حكم القوة” – بشكل أكثر دقة “الجولة الفارغة” – مدى نفاق الولايات المتحدة وإفلاسها السياسي.
فقد قام بايدن بأول زيارة رئاسية له إلى الشرق الأوسط خلال رحلة استمرت أربعة أيام، أستهلها في الكيان الإسرائيلي وختمها في السعودية. وقد كان واضحاً حتى من تقارير وسائل الإعلام الأمريكية أن الأولوية القصوى لبايدن تمثلت بحمل دول الخليج على ضخ المزيد من النفط للحد من تداعيات حرب الناتو بالوكالة التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا.
واقع الأمر، أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد روسيا، التي يدعمها الاتحاد الأوروبي الخاضع لحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن حلفاء آخرين في الناتو، إلى أزمة تضخم عالمية، والتي بدورها تسببت بشتى أنواع التوترات والمخاطر السياسية للحكومات الغربية.
من المؤكد، أن الصراع في أوكرانيا ليس وليد اللحظة، حيث تم التخطيط له على مدى السنوات الثمان الماضية، أي منذ الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة في كييف عام 2014. في ذلك الوقت، كان بايدن نائب الرئيس والرجل المكلف في إدارة أوباما لتسليح الناتو لنظام النازيين الجدد في كييف ليكون بمثابة ترساً في وجه روسيا.
الآن وبعد أن تجلت حرب الولايات المتحدة بالوكالة ضد روسيا بشكل كامل، عادت التداعيات الاقتصادية للارتفاع بشكل كبير، فضلاً عن الارتفاع الهائل في معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، كما أدى التأثير السياسي إلى تقويض الحكومات الحالية، إذ شهد الأسبوع الماضي انهياراً للتحالف الداعم لرئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، وأصبح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ضحية لفساده وللفضائح التي كان تلاحقه، بالإضافة إلى الاضطراب الاقتصادي في بلاده. أما في الولايات المتحدة، سيواجه حزب بايدن الديمقراطي انتقاد الناخبين في انتخابات التجديد النصفي، فالأمريكيون، مثل الأوروبيين، غاضبون من ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والسلع الأساسية الأخرى.
بالنسبة لبايدن والمؤسسة السياسية الأمريكية، فإن السيطرة على التضخم المتزايد لتكلفة الوقود والطاقة أصبحت أمراً ملحاً للغاية، حيث تهدد الأزمة الاجتماعية المتولدة بانهيار الهياكل الحاكمة. لذا من غير المستغرب، أن يُظهر استطلاعاً جديداً أن غالبية الناخبين الأمريكيين يعتقدون أن نظامهم السياسي فاشل. باختصار، يمكن القول إن الأمر وصل للحديث عن اضطرابات مدنية غير مسبوقة تشكل تهديداً وجودياً للطبقة السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا بالفعل.
لذلك، كانت زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط في الواقع، بمثابة مناشدة للسعودية لزيادة صادرات النفط كوسيلة لخفض أسعار السوق التي سجلت أرقاماً قياسية، وتضخماً للأسعار الاستهلاكية. ومع ذلك، يرى المراقبون أنه من غير المحتمل أن يُكتب لهذا التكتيك الضعيف النجاح في تخفيف العبء، حيث يبدو أن المارد خرج من الزجاجة وبالكاد توجد طريقة لإعادته إليها.
يُظهر خطاب بايدن غير اللائق النفاق الصارخ في السياسة الأمريكية، فليس لدى واشنطن أي نية حقيقية في تعزيز عملية السلام بين الكيان الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، وإن الأولوية القصوى والوحيدة لبايدن هي دعم سياسة عدوانية أمريكية فاشلة تجاه روسيا والصين وإيران.
حاول الرئيس الأمريكي وسم إدارته بأنها مدافعة عن “الديمقراطية ضد الاستبداد”، وهي بالطبع، محاولة خبيثة لتعبئة المعارضة تجاه روسيا والصين تحت قيادة واشنطن، حيث تستمر هذه المهزلة السخيفة للولايات المتحدة منذ عقود، ولكن في عهد بايدن، تنهار هذه المهزلة بسرعة. على مدار نصف قرن من عمله في السياسة، بصفته عضواً في الكونغرس وسياسياً رئاسياً، أشرف بايدن على عشرات الحروب الأمريكية الإجرامية، وعمليات التخريب السرية ضد الدول ذات السيادة، فقد جسد الإرهاب والإمبريالية اللتين ترعاهما الإدارة الأمريكية والتي تقوم بتزوير الديمقراطية وسيادة القانون والمبادئ الإنسانية.
تقوم الولايات المتحدة في ظل قيادة بايدن الإشكالية، بضخ عشرات المليارات من الدولارات لتسليح النازيين في أوكرانيا، مدعيةً أنه “للدفاع” عن سيادة أوكرانيا وديمقراطيتها، بينما يُظهر واقع الحال، أن “المساعدات” الأمريكية العسكرية التي يتم تقديمها للنظام النازي في كييف تتجاوز بكثير ما تخصصه واشنطن للتخفيف عن المواطنين الأمريكيين في التصدي للوضع الاقتصادي، والبؤس الناجم إلى حد كبير عن عدوان بايدن تجاه روسيا.
وكما هي الحال بالنسبة لقادة الولايات المتحدة، تغاضى بايدن عن السياسات الإسرائيلية خلال زيارته الشرق أوسطية، واكتفى بتوجيه نداءً روتينياً إلى الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع العلم أن الحقوق التاريخية للأغلبية الفلسطينية ليست من الشواغل الحقيقية للولايات المتحدة، حيث تستمر واشنطن في التغاضي عن ضم “إسرائيل” لمزيد من الأراضي الفلسطينية، واحتلال مرتفعات الجولان السورية. وفي الوقت نفسه، لم يكلف بايدن نفسه عناء إبداء قلق إزاء مقتل الصحفية الأمريكية شيرين أبو عاقلة التي أغُتيلت في 11 آيار الماضي برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلية، وانتهاك المبادئ المعلنة للديمقراطية والسيادة وسلامة الأراضي.
مع توجه بايدن إلى السعودية حيث التقى أيضاً بالعديد من القادة العرب، أخذ نفاق أمريكا المكشوف منعطفاً مبهماً، وكان التشويش في البيت الأبيض ووسائل الإعلام الأمريكية بشأن لقاء بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمراً يستحق التفكير حول الازدواجية الذليلة، فمن المضحك أن تشهد الانحرافات وأوهام الاستقامة الناجمة عن القلق.
خلال حملته الانتخابية الرئاسية قبل عامين، تعهد بايدن بجعل السعودية منبوذة بسبب مقتل جمال خاشقجي، لكن خلال هذه الزيارة تبين أنه من الواضح أن بايدن لا يعتريه أي هاجس الآن بشأن خاشقجي، أو الحرب الوحشية المستمرة والمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين اليمنيين، وهو البلد الذي صُنف على أنه يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ما هو واضح تماماً هو الإفلاس الكامل في مزاعم الولايات المتحدة بالتمسك بالديمقراطية والقانون الدولي، الذي تجلى في جولة بايدن الفارغة في الشرق الأوسط، حيث أن حساباً واحداً فقط يشغل قادة الولايات المتحدة، وهو إثارة الحروب الإمبريالية المتهورة.
لقد اتخذت الحرب التي تشنها واشنطن بالوكالة ضد روسيا منحنى سيئ، مصحوبة بتداعيات غير متوقعة تقوض أنظمة الحكم في أمريكا وأوروبا، لذا توجه بايدن اليائس للتخفيف من الكارثة التي جلبها لنفسه لزيارة السعودية، لكن محاولته الوقحة وازدواجيته ضاعفت من الازدراء الدولي للادعاءات الأمريكية المزيفة.