المنسف الجولاني رمز الكرم والضيافة
البعث الأسبوعية- محمد غالب حسين
الضيافة سلوك تكافلي اجتماعي فرضه العيش في البوادي وحياة الحل والتّرحال، فكثير من الناس كانوا مضطرين للسير طويلاً وحيداً بعيداً في الفيافي، ولولا مأثرة الضيافة، لهلك كثير من الناس جوعاً وعطشاً وضياعاً، لذلك تقول الأمثال الشعبية الجولانية: الضيف ضيف الله.. حيّ الله الضيف.. فالضيافة عرف اجتماعي مجيد يعني استقبال الضيف وحمايته وتقديم الطعام والشراب له، وكل ما يحتاجه مجاناً ودون مقابل.
ويفوز المنسف الجولاني بقصب السبق كرماً وفخراً وتقديماً في حفول الأعراس والختان والمآتم والدعوات العامة والمناسبات والأفراح، والمنسف وعاء نحاسي كبير متّسّع، يحمله رجلان عبر حلقتين معدنيتين مثبتتين به لسهولة الحمل والنقل، ويستوعب كمية كبيرة من الأرز والبرغل، تكفي أكثر من ثلاثين رجلاً.
وهذا الوعاء لا يُسمّى منسفاً إلا إذا كان مترعاً بالأرز أو البرغل الذي تغطيه قطع اللحم، ويتوسطه رأس الذبيحة.
وعند سراة القوم يكون الوعاء النحاسي كبيراً جداً، ويقوم أربعة رجال بحمله عبر حلقات أربع، ويتّسع لأكثر من خمسين كيلو غراماً مطبوخاً من الأرز أو البرغل، ويزيد قطره على مترين، مما يتيح جلوس أكثر من عشرين رجلاً القرفصاء عليه، لتناول الطعام معاً.
ويقوم صاحب الدعوة بصبّ السّمن العربي المغلي على المنسف أمام الضيوف معبّراً عن غاية الكرم، ليزداد الطعام نكهة وشهية وجمالاً.
ولا يطيب المنسف إلا إذا رافقه المليحي، وهو حساء مغلي من اللبن بطريقة فنية تجعله طيب المذاق مستساغ الطعم، هاضماً مفيداً لابد منه بعد وجبة دسمة، ويمكن سكب المليحي على الأرز أو شربه بعد تناول الطعام.
تناول الطعام
يوضع المنسف الأكبر أمام الضيف الذي صنع الطعام من أجله، تكريماً له وترحيباً به، وتوضع بقية المناسف سواء كانت كبيرة أو صغيرة أمام بقية الضيوف والمدعوين، ويقوم المعزّب أي صاحب الدعوة والطعام بالترحيب بالضيوف، ويدعوهم لتناول الطعام على شرف الضيف الذي يسميه زيادة بحسن الوفادة والإكرام والتكريم والحفاوة والمحبة، مُقسِماً عليهم أن يتناولوا الطعام بمحبة وهدوء حتى الشبع، مذكِّرهم بالمثل القائل: (الأكل يعكس مقدار المحبة للمعزب). ويطلب المعزب من أحد أبنائه أو أخوته الجلوس جانب الضيف الكبير ليقطع اللحم، ويضعه أمامه بكميات كبيرة. وعلى الرجل أن يتقدّم للمنسف المقابل له إلا إذا خصّه المعزّب بمكان مخصوص على مسامع جميع الحضور، وعليه الأكل بيده اليمنى. ومن غير اللائق أن يستخدم يده اليسرى لفصل اللحم عن العظم أو كسر الرأس مثلاً!!!. وهناك من يحبّذ الأكل بسرعة، والقيام عن الطعام قبل الآخرين معتمدين على المثل الشعبي القائل: (كُلْ أكل الجمال وقُمْ قبل الرجال) مع أننا لانؤيد هذا المثل، ويُفضلون عند الانتهاء من الطعام غَبَّ شربة طويلة من المليحي، وتُلزم تقاليد أكل المنسف أن يبقى أقارب المعزب والزوار المقربون، يتناولون الطعام، ولو شبعوا حتى لا يحرجون الضيوف ويجفّلونهم، فيقومون جوعى عن الطعام، وعند رفع المناسف بعد انتهاء القوم من الطعام، يقولون لصاحب الدعوة: (دايمة إن شاء الله، وبالعز دوماً) أو (كلّما نويت الكرم يقدّرك الله).
أما منسف الثريد فقد كان قليل الانتشار في الجولان، فهو يُصنع من خبز (الصاج) بعد تقطيعه قطعاً مستطيلة صغيرة، ويُصب عليه المليحي ثم يُغطّس بالسمن العربي المغلي، وتُضاف إليه قطع اللحم المسلوقة المكشوطة من العظم، ومنسف الثريد لذيذ جداً ومغذّ جداً وسهل الهضم أيضاً.