أزمة أم أزمات للكتاب؟
دمشق- أمينة عباس
عديدة هي الندوات التي عُقِدَت مؤخراً تحت عنوان “واقع الكتاب السوري” أو أزمة الكتاب، وغالباً ما يخرج الحضور منها مشتّتي الذهن، فتارةً يكون السبب الوضع الاقتصادي، وتارةً تكون الحرب هي السبب، وأحياناً المؤلف، لتغدو أزمة الكتاب أزمات.. وهكذا تتشعب المسألة وتتناثر الحلول التي تُطرح للارتقاء بواقعه دون جدوى حقيقية على أرض الواقع، على الرغم من أن معظم المشاركين في هذه الندوات ينتمون إلى مؤسسات معنية بشكل مباشر بالكتاب وصناعته.. من هنا أكد د. محمد الحوراني رئيس اتّحاد الكتّاب العرب وهو أحد المشاركين في الندوة، إلى جانب د. نايف الياسين وأ. هيثم الحافظ وأدارها الإعلامي ملهم الصالح، أن الحديث عن صناعة الكتاب وأزمته ومستقبله حديث عن واحدة من أهم المشكلات التي ينبغي إيجاد حلول لها، ورأى أن الحديث دوماً عند تناول أزمة الكتاب يدور حول دور المؤسّسات فيها دون الإشارة إلى دور المؤلف في هذه الأزمة، والذي يكون في كثير من الأحيان برأيه أحد هذه المشكلات من خلال وجود مرتزقة في الكتابة يطبعون كتباً لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا علاقة لها بالكتابة من أجل وضع أسمائهم فقط، يشجعهم على ذلك وجود ناشر غايته مادية بحتة، دون أن يتردّد الحوراني في تحميل كل المؤسسات المعنيّة بالكتاب، ومنها الاتحاد، مسؤولية طباعة كتب هؤلاء، مؤكداً أننا بذلك أمام مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل لأننا بأمسّ الحاجة إلى كتاب يتضمن نصاً إبداعياً يغري القارئ للخروج من أزمة الكتاب التي تحتاج إلى استراتيجية حقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بالتعاون مع عدة مؤسسات معنية بالكتاب، وهي اتّحاد الناشرين، وزارة الثقافة، وزارة التربية، وزارة الإعلام. ولم يتّفق الحوراني مع منْ يقول إنه لا يوجد لدينا قارئ، فبرأيه أن القارئ الحقيقي موجود ويعي ما يريده، لكنّه فقير ولا يملك ثمن الكتاب، وقد حاول اتّحاد الكتّاب العرب منذ سنة تقريباً بالتعاون مع وزارة التعليم العالي تجاوز هذه المشكلة من خلال إقامة عشرات معارض الكتب ليكون الكتاب بين يدي الطلّاب في الجامعات بمبلغ زهيد قدره مئتا ليرة، وهي كتب كانت حبيسة مستودعات الاتحاد، بعضها صادر منذ ثلاثين عاماً ولم يبَع منها سوى مئة نسخة، فما كان منه سوى أن أخرجها من المستودع لتكون في متناول القراء، ولم يخفِ الحوراني أن تجار الورق عرضوا شراء هذه الكتب لبيعها بالكيلو إلا أن احترام الاتحاد للإبداع الحقيقي وجهود الزّملاء ورسالته التي يقوم بها منع نقل هذه الكتب إلى معامل الورق، فكان الحل إقامة المعارض التي تجاوزتْ مبيعاتها 85 مليون ليرة، مع تأكيده على ضرورة تكاتف الجهود لتأمين الكتاب بسعر مناسب، مشيراً كذلك إلى أنه تمّ العمل على إقامة معارض خارجيّة بالتعاون مع دور النشر، وهذه التشاركيّة توّجت بمذكرة تفاهم لطباعة كتب مناصفةً بين الاتّحاد وبينها، وتمّ خلال ذلك إصدار عشرات العناوين، مشيراً إلى وجود صعوبات كثيرة يواجهها الاتّحاد في صناعة الكتاب، واعداً أن الدورة الحالية للاتحاد لن تمضي إلا برصيد مادي يُخصّص لصناعة الكتاب والفعل الثقافي الذي يليق بالثقافة السوريّة، وأنه ضد رفض أي كتاب لأنه مع إبداء الملاحظات التي تساعد على تشذيب ما في الكتاب من هنات موجودة فيه بشرط ألا تطال اللغة التي يراها الحوراني أهم مُقَدَّس في الكتابة.
الحلول المناسبة
بتوصيفه لواقع دور النشر الخاصة ومفرزات الحرب ووباء كورونا وواقع الإنتاج من حيث جودة الكتاب ومحتواه، أكد أ. هيثم الحافظ رئيس اتحاد الناشرين السوريين أن الحرب على سورية أجهزتْ على الكثير من دور النشر والمكتبات والمطابع ومستودعات الكتب، فيما تراجع حجم الإنتاج والتوزيع في دور النشر نتيجة ارتفاع أسعار الورق ومواد الطباعة والتجليد بشكل خيالي، وتوقُّف الكثير من المطابع عن العمل نتيجة صعوبة تسويق الكتاب وتراجع نسبة المبيعات في ظل غياب المعارض وحرمان الكثير من الناشرين من المشاركة في المعارض الخارجية لصعوبة الخروج من سورية ولعجزهم عن تحمُّل نفقات السفر والشحن، وإغلاق بعض الدول أبوابها في وجههم، ثم جاء وباء كورونا الذي أحدث انتكاسة أخرى لدور النشر السوريّة في سوق الكتب نتيجة الإغلاق الاقتصادي الذي تمّ فرضه لمواجهة الفيروس، وليتوج ذلك بضغوط الحياة اليومية التي أفرزتها الحرب والتي كانت لها آثار سلبية كبيرة على عادات القراءة، إلى جانب وجود مشكلة ضعف القراءة التي لم تدخل بعد في عداد العادات اليومية للناس نتيجة الأُمّية ووجود نظام تعليمي لا يزرع هذه الحاجة في نفوس التلاميذ.. وبعيداً عن توصيف الواقع الصعب للكتاب وبالحديث عن الحلول المناسبة للنهوض بصناعة النشر والارتقاء بها، والتأكيد على ضرورة تعاون جميع الفعاليات الثقافيّة والاقتصاديّة لتحقيق الهدف المنشود في أن تكون صناعة الكتاب في قائمة الصناعات الأساسية التي تساهم في دعم الاقتصاد الوطني، أشار الحافظ إلى الحاجة للدعم الحكومي من خلال دعم المؤلفين ودعم الورق وإقامة المعارض المجانيّة وشراء المؤسسات الحكومية للكتب ووجود شركات راعية لدعم الكتاب كشركات الاتصالات وإعفاء الداعمين للكتاب من الضرائب لفترة محدّدة، إلى جانب ضرورة دعم المنظمات الدولية كمنظمة اليونيسكو ومنظمة اليونيسيف ومنظمات المجتمع الأهلي، وإقامة معارض للكتاب السوري في الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية، ومعارض متنقلة في المحافظات، إلى جانب تضافر جهود القطاعين العام والخاص لصناعة كاتب متميز تدخل كتبه كل بيت.
الكتاب دون الطموح
وتحدث د. نايف الياسين مدير الهيئة العامة السوريّة للكتاب عن دور الهيئة في نشر الكتب وصناعة الكتاب وآلية عملها، مؤكداً أنها كغيرها من المؤسّسات السورية تواجه صعوبات كثيرة في تأمين مستلزمات العمل من ورق وأحبار طباعية ومشكلات في صيانات آلات الطباعة وتوفير الوقود اللازم لنقل الكتاب من المطبعة إلى المستودع فمنافذ البيع، إلى جانب صعوبات في توفّر الكوادر البشرية الماهرة، وأن الهيئة تسعى دائماً لابتكار الحلول والتعاون واللجوء إلى دعم ومؤازرة وزارة الثقافة من أجل الاستمرار في إنتاج وإيصال كتاب ذي جودة عالية وبسعر ما يزال في متناول الشرائح الأوسع من المجتمع، مستعينة بالنشر الإلكتروني كنوع من التوفير وإتاحة الكتاب بالصيغة التي يمكن للجميع الوصول إليها، منوهاً بأن تجاوز الصعاب العملية واللوجستية يتطلب عملاً وتفانياً كبيرين من قبل المشاركين في عملية إنتاج الكتب.. من هنا تقيم الهيئة الندوات وورشات العمل غالباً بالتعاون مع اتّحاد الكتّاب العرب واتّحاد الناشرين السوريين والجامعات السوريّة وتشجيع المؤلفين والمترجمين من خلال مسابقات باتت معروفة للجميع، إضافةً إلى إصدارها سلسلة إبداعات شابة لتشجيع ورعاية المواهب الواعدة.. وللاستمرار في استقطاب المؤلفين والمترجمين المتميزين تمّت مضاعفة التعويضات الممنوحة للمؤلفين والمترجمين، مبيناً في الوقت ذاته أنه على صعيد إيصال كتاب الهيئة إلى البلدان العربية هناك صعوبات سياسية ومادية تحولُ دون ذلك، ولتجاوز هذا الأمر وقّعت الهيئة قبل حوالي شهر عقداً مع دار نشر خاصة لتكون وكيلاً لها للمشاركة في المعارض العربية والدولية دون أن يرتب ذلك أيّة تكاليف ماليّة عليها، وهذا إنجاز جيّد برأيه.. وحول واقع الكتاب لا يختلف الياسين مع عدد كبير من الآراء على أن الكتاب دون الطموح، وبرأيه فإن المسؤولية عن ذلك تتجاوز الجهات القائمة على إنتاج الكتاب، فالكتاب يعني القراءة والتركيز على قيمة القراءة والمعرفة في المجتمع، مؤكداً أنه إذا أردنا أن نشجع الناس على القراءة فعلينا أن نقنعهم بجدواها العمليّة وجدواها فيما يتعلّق بأدائهم وتطوّرهم المهني من خلال الارتقاء بوضع الكاتب مادياً ومعنوياً، وهذه مهمة بنظره تتجاوز مهمّة المؤسسات المعنية بإنتاج الكتاب، ودون ذلك سيمتنع الكاتب عن الكتابة، أو سيلجأ إلى الاستسهال، أما على صعيد مسألة محتوى الكتاب، فرأى الياسين أن وضع الكتاب المُنتج في الهيئة جيّد إذا أخذنا جميع الظروف الموضوعية بعين الاعتبار.