عندما يصبح النقد “مجسمات”؟!
دمشق – قسيم دحدل
ربما ما سنطرحه من مقاربة في هذه المادة قد يعتقده بعضهم غريباً وغير واقعي حتى في فكرته، لكننا نراه واقعياً جداً لناحية مقاربة الفكرة الاستثمارية بحد ذاتها بعيداً عن أي إسقاط أو تلميح لمفهوم الفساد، ووجوده أو عدم وجوده.
في تسعينيات القرن الماضي، تم القبض – حسب الخبر آنذاك – على عصابة في حلب كانت تُجمّع الليرات السورية المعدنية، ثم تقوم بصهر تلك الليرات لمفاتيح منزلية، وبذلك كان تحول الليرة لخمس عشرة ليرة، ولكم أن تتخيلوا كم العائد المالي من خلال هذه العملية الخطيرة المدمرة للاقتصاد والنقد الوطني.
تذكّرنا لذلك الخبر مرده للمجسم الذي تم صنعه لبنك سورية المركزي، والذي وضع في بهو الطابق الأرضي للبنك.
الغريب أن ذلك المجسم – ووفقاً للخبر المنشور – قد تم تنفيذه باستخدام قطع نقدية معدنية سورية من الفئات التي خرجت من الاستخدام (ليرة – نصف ليرة – ليرتان).
وبيّنت المهندسة المشرفة على التنفيذ أن وزن المجسم مع القاعدة المكوّنة من جسور حديد وإكساء من مادة الكروم والخشب يبلغ نحو 5 أطنان و400 كغ، واحتاج إتمامه إلى 252.400 قطعة نقدية من فئة الليرة، و103.500 من فئة النصف ليرة، و14800 من فئة الليرتين، أي 37070 قطعة نقدية.
يبلغ طول قاعدة المجسم 427 سم، والعرض 215 سم، والارتفاع الكلي 300 سم، حيث إن دراسة المشروع من الناحية التصميمية والتنفيذية استغرقت مدة 3 أشهر ونصف، بينما استغرق التحضير للتنفيذ وجمع الليرات في خراطيش بأعداد معينة مدة 40 يوماً، وذكرت أن العمل أنجز في عطلة عيد الأضحى خلال 10 أيام.
الملفت أيضاً في الموضوع أن تمويل المشروع بشكل كامل تكفّلت به شركات الصرافة في سورية، بينما نفذته شركة خاصة، واعتبر بمثابة هدية قدمت للمصرف المركزي.
لو حاولنا تناول الموضوع من ناحيتي الشكل والمضمون، لما كان لنا على شكل المجسم رأي، سواء أعجبنا التصميم أم لا، سوى سؤال واحد وهو: هل هذا وقت المجسمات؟! لكن مربط فرسنا فيما يتحمّله ويحمله هذا المجسم من مضامين ظاهرها غير باطنها.
أول تلك المضامين التي سنطرحها بشكل تساؤلات: ما الانعكاس والأثر الاقتصادي والنقدي على الليرة السورية كوحدة نقدية أساسية للعملة الوطنية؟ وماذا يعني إخراج تلك الفئات من التداول، ونحن في معاملاتنا الرسمية لاتزال القروش موجودة؟!
ثاني التساؤلات: إذا كانت القيمة الإجمالية النقدية لـ 37070 قطعة (وهو مجموع ما احتاجه المجسم من الفئات الثلاث) هي 333750 ليرة، وهو مبلغ قد لا يعني شيئاً لدى العديد ممن يقارب الموضوع بشكل مُسفَّه، فكم هو الرصيد القيمي (من الذهب) لمئات آلاف الليرات تلك؟ وماذا يعني إخراج تلك الكتلة من التداول؟
وثالث التساؤلات: المعلوم أن المجسم احتاج لهيكل توضع فيه تلك القطع من العملة، وهذا الهيكل مع ما فيه من قطع بلغ وزنه 5 أطنان و400 كغ، فهل ما في المجسم من معدن الكروم أو الحديد له القيمة النقدية نفسها للفئات التي أخرجت من التداول؟!
ولو انتقلنا لزمن إنجاز المجسم والجهد والعمل المبذول، وما احتاج من عمالة ومكان ولوجستيات تركيبه (من المؤكد أن قسماً من العاملين بالبنك ساهموا بصف الفئات)، لكان تساؤلنا الرابع حول: ماذا لو استثمرنا كل هذا للتفكير في إبداع استثمار اقتصادي ونقدي مفيد، لا تشكيل مجسم في قلب بنك هو بحد ذاته صرح يميز أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وكانت في أوقات غابرة تصدّر للعالم ربع الإبداع والابتكار العالمي؟!
أما في تساؤلنا الخامس فنسأل: ما دلالات تحمّل شركات الصرافة لتكاليف إنجاز المشروع؟ وما هو المقابل؟ ولماذا لم تعلن الشركات والمصرف عن التكلفة الإجمالية لـ “المشروع”؟!
مهما كان الرقم، كبُر أم صغر، ومهما كان العمل وما احتاج وما كلَّف وما اعتبر، لن يجعلنا نتغاضى عن أن هناك نقداً وطنياً أُخرج من التداول للتقاعد، وهناك مثله – عملياً – نقد من فئات أعلى، هو بحكم المستبعد من التداول كـ 5 و10 ليرات، والـ 25 و50، وحتى الـ 100 ليرة، وهذا له العديد من المعاني والترجمات عند أهل الاختصاص الذين يبدو أن دور بعضهم لتحويل نقدنا لمشاريع “مجسمات” و”متاحف عمالية” ندور حولها وفيها، ونرمقها بنظرات لا تشبع موظفاً جائعاً أو مريضاً يحتاج ثمن علبة دواء، أو عائلة شهيد أو جريح دفعا ثمناً غالياً لتبقى ليرتنا رمز عزّتنا الاقتصادية؟!
هذا رأي نحترم من يخالفنا شرط مجابهتنا بجزء من النص المفقود في تلك المتاحف والمجسمات؟!
QASSIM1965@GMAIL.COM