التغيرات الاقتصادية تُحجِّم المنافع المعلنة بترشيد الدعم.. والقرارات الصماء تعود مع الشرائح الجديدة!
دمشق – رامي سلوم
لا يبدو أن سياسة أو منهجية ما يسمى بـ “توجيه الدعم لمستحقيه” تسير على “الصراط المستقيم”، خصوصا لجهة تحسين الواقع المعيشي والخدمات وتأمين المستلزمات الأساسية من حوامل الطاقة وغيرها لتشغيل الكهرباء ووسائل النقل، فضلا عن انعكاسها على تحسين التعليم والصحة، وكل ذلك يعود وفقا لمحللين إلى عدم وجود منهجية فعالة مبنية على دراسة واقعية لملف على هذه السوية من الضخامة، والذي على ما يبدو يتم التعامل معه بـ “خجل” و”تردد”ّ أفقد الإجراءات المنفردة أساسا أية قدرة على الانعكاس الإيجابي على الواقع الاقتصادي والخدمي العام، مع عدم تقدير المتغيرات السريعة التي تحيط بالاقتصاد ووضع واقع عدم التمكن من البناء على الحالة المرحلية لاتخاذ القرارات من دون استشراف واع وحقيقي للمستقبل بعيدا عن المزاودات بعين الاعتبار.
وطالت الانتقادات الجهات المعنية بملف الدعم خصوصا لجهة عدم التمييز، فالأطباء أو المحامون أو غيرهم من الشرائح لا يمكن تقييم قدرتهم المعيشية بناء على سنوات الخدمة أو نوع المركبة، فضلا عن واقع تلك الفئات النقابية في المحافظات حيث يختلف دخل تلك الشرائح في كل محافظة بالإضافة لاختلاف دخل كل فرد علما بان النقابات تسجل أعمال منتسبيها وبالتالي فلديها القدرة على منح توصيف دقيق لكل حالة وهو الأمر الذي تم تجاهله مقابل اللجوء لمعيار الوقت.
وهذا ما أكدته الباحثة الأكاديمية رشا سيروب مشيرة إلى أن الفصل بين المواطنين وفقا لمعايير صماء أمر غير مقبول أساسا مهما كانت المعايير، ويتم التغطية من خلال اعتماد الطريقة الحالية على ثغرات واسعة في العمليات الضريبية التي تعتبر أساس التحصيل ودعم الخزينة، فيما عدا وضوح عدم وجود رؤية استراتيجية واضحة وتقدير حقيقي للمتغيرات الاقتصادية التي أضعفت من قدرة استثمار تلك الأموال بفعل التضخم العالمي وتحول الأسواق وغيرها من الظروف.
وأوضحت سيروب أن رؤية الجهات الحكومية بأن الشرائح المستبعدة من الدعم تحقق دخلا حقيقيا كبيرا يجب أن يُترجم ضرييباً، بحيث يدفع صاحب الدخل الأعلى قيمة ضريبية أعلى، مبينة أنه حتى في حالة استبعاد الدعم عن كامل المواطنين والمضي في سياسة تحرير السوق، فإن السياسة الضريبية ستكون الفاعل الرئيسي في تأمين احتياجات الفئات الضعيفة فعليا، من خلال تحويل تلك الضرائب لصالح الجهات المعنية بالدعم من جهة، واستثمار الأموال المتبقية في مشاريع التنمية الاستراتيجية.
وكان ضعف البيانات والتسرع في الإجراء واضحا على الرغم من أن الملف منذ سنوات يدور على طاولة الدراسات – وفقا لسيروب – حيث لفتت إلى أن الطريقة المتبعة وسعت الهوة بين المواطن والحكومة لجهة الثقة في طريقة اتخاذ القرار.
الخبير في إدارة المخاطر، ماهر سنجر، اعتبر أن تشريع وجود سعرين للمادة الواحدة أمر خطير وغير مقبول، خصوصا في ظل واقع اقتصادي حاد وضعف رقابي تقر به الجهات الحكومية قبل غيرها ما يفتح الباب على مصراعيه لعمليات التربح غير المشروع لفائدة أصحاب النفوس الضعيفة على حساب المواطن الذي قد يكون بحاجة لهذا الدعم وإن كان ضمن المعايير المرعية التي لا تتناسب مع جميع الحالات كما بين الواقع.
وأوضح سنجر أن المشروع بلا شك يعاني من ضعف في الإدارة أفقدته جدواه لدرجة أنه بقي عبارة عن سحب مستلزمات أساسية من المواطنين بدون مقابل، في الوقت الذي من المتوقع الاستفادة من الوفر في مشروعات تنموية حقيقية تحسن الواقع المعيشي والخدمي، مشيرا إلى أن دراسة المتغيرات الزمنية وفقا للفترة المقترحة لتنفيذ أي مشروع تعتبر واحدة من أساسيات التخطيط والإدارة، بحيث لا يمكن اعتماد الوقائع المرحلية واعتمادها في التخطيط لمشروعات كبيرة، خصوصا في ظل واقع غير طبيعي يعيشه الاقتصاد الوطني، الأمر الذي كان يجب تقديره بدقة وحساب المخاطر المتوقعة للفترات الزمنية للتطبيق.
ولفت سنجر أن واقع التطبيق ظهر كأنه يسير وفقا للظروف وتحيِّن الوقت الأمثل لإطلاق القرار الاستراتيجي الذي يتم تنفيذه بحياء، ما أفرغ سياسة توجيه الدعم من أهدافها والجدوى الأساسية المرجوة منه في دعم عملية التنمية من الوفر المحقق، لتذهب تلك الأموال لصالح التضخم واستقدام المواد الاستهلاكية وتضيع بين أسعار النقل والمحروقات بسبب عدم استثمارها في أصول تحفظ قيمتها السوقية أو مشروعات تنموية تحقق بدورها فائدة للاقتصاد الوطني.
وأكد سنجر أن أي مشروع مهم كان صغيرا، بحاجة إلى دراسة متعمقة للمخاطر، وهو الأمر الأكاديمي الميداني والذي لا يمكن التعامل معه وفقا لتوقعات سطحية أو قرارات ارتجالية، فالمخاطرة موجودة في كل عمل اقتصادي خصوصا في حالة ملف بحجم ملف الدعم، إذ ما كان يجب أن يمر عبر خطط واضحة وإجراءات سليمة، لتلافي المخاطر، ووجود خطط بديلة سريعة تسمح بالمرونة والمناورة لصالح عدم خسارة المنافع المتوقعة، وتحول العملية إلى جباية.
من جهته اعتبر الباحث الأكاديمي والخبير الاقتصادي زكوان قريط، أن ضعف المنهجية والتخطيط يعتبر سببا رئيسيا في ضعف نجاح الوصول إلى الأهداف المطلوبة، متسائلا عن مساهمة الوفر المحقق من الدعم في الملفات التنموية مثل التعليم والصحة وغيرها.
وأشار قريط إلى أن ما سمي باستراتيجية توجيه الدعم لا يرقى لمستوى الاستراتيجية التي تحتاج إلى دراسات حقيقية وخطط بديلة وحسابات متشابكة وشاملة قادرة على ضبط مسار الخطة وحمايتها من المخاطر المتوقعة، وحالات الارتدادات الاقتصادية وغيرها، للوصول إلى الأهداف المرجوة منها وتحقيق قيمة مضافة ومنفعة حقيقية للاقتصاد.
وأضاف قريط أن تطبيق الاستراتيجية كان لا بد أن يكون ممنهجاً عبر سنوات ويتم العمل عليها على مراحل مقابل تحقيق دفع تنموي يعتمد عليه في تطبيق المراحل الأخرى ليصار إلى نجاح رفع الدعم مع ضمان دورة اقتصادية إيجابية تشمل غير المستفيدين وتمكنهم من تحقيق أرباح ومنافع ناتجة عن عمليات التنمية المتبعة، وبالتالي سيكون للملف أثره الإيجابي بدل رفضه واستغلاله في تحقيق أرباح للمنتفعين، والوقوع في مشاكل التحولات غير المدروسة وغيرها من السلبيات.