“الآسيان” نحو انتقال كبير إلى دور جديد في المنطقة وما وراءها
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
تطورت رابطة دول جنوب شرق آسيا والمعروفة باسم ” الآسيان” بشكل كبير منذ إنشائها قبل 55 عاماً في جميع المجالات بعد فترة مليئة بالتحديات المتزايدة التي اتخذت وجهات نظر وأشكال مختلفة. يدعو السيناريو الحالي إلى فهم وتعاون أكثر شمولاً وأعمق بين أعضائها بهدف تحقيق إطار مشترك من التفاهم والرؤية يستفيد منه الجميع، ويوفر بالتالي شعوراً بالانتماء إلى التجمع، على أمل أن تتمكن الآسيان من تقديم نفسها ككيان موحد وحيوي.
لقد تشكلت الآسيان على أساس قوي، وإيمان بنماذج التوافق والثقة والاحترام المتبادلين، وأيضاً على روح الحوار والتفاهم في حل القضايا، لكن جهود الآسيان ومحاولة التقدم في بناء مجتمع التكامل الإقليمي لتحقيق فوائد التنمية الاقتصادية المشتركة، وزيادة المشاركة والتكامل الاقتصاديين، اختطفته الضغوط الخارجية، وما تلاه من تأثير على الدول الأعضاء.
لذلك، إن اتخاذ خطوات أكثر شمولية وحسماً ضرورية في تضييق الفجوة في الجوانب الاقتصادية، وأيضاً توسيع قاعدة التجارة البينية لرابطة الآسيان لتحفيز النمو والتنمية التي تعتبر أموراً حاسمة في رفع مستوى المعيشة في جميع أنحاء المنطقة. من هنا إن زيادة مشاركة المزيد من الأطراف المعنية أمر حاسم في خلق جوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية أكثر ديناميكية وتعزيزها في المنطقة، حيث سيؤدي التركيز الأكبر والمتمثل في تعزيز الشراكات والحوارات المتبادلة في حل المشكلات وإدارة النزاعات إلى فتح مسار أوسع وأفضل للتفاعل والعلاقات بين الناس في المستقبل، لأنها مسألة استدامة وبقاء بالنسبة لرابطة ” الآسيان” لوضع مجموعة جديدة من الأجندة الجريئة، والتحول لتحقيق رؤاها ورسم طريق جديد للمضي قدماً لزيادة تنشيط التكامل الداخلي لرابطة ” الآسيان”.
يبقى من الضروري بالنسبة لرابطة ” الآسيان” تقديم نفسها على أفضل وجه باعتبارها المحرك الرئيسي للنمو والاستقرار في ظل التقلبات الحالية للنظام الاقتصادي والسياسي العالمي، بحيث يتم استخدام الآسيان والنظر إليها من قبل جميع الدول الأعضاء على أنها المنصة المناسبة لهم التي ستحمل آمالهم في الدفاع عن القضايا المشتركة للمنافع المتبادلة، بالإضافة إلى صياغة مصالح ومخاوف مشتركة من أجل التمكين في اتخاذ تدابير وسياسات أكثر تعمقاً.
يتم الاعتماد على الآسيان بوصفها العامل الحاسم والجاد في موزانة تصاعد التوترات الجيوسياسية والجيواستراتيجية مع تزايد المسؤوليات والأعباء على خلفية الحقائق الإقليمية والعالمية الجديدة. وعند تحديد الاتجاه المستقبلي لرابطة “الآسيان” وإدراك الحاجة الملحة لإيجاد عامل التوحيد والتماسك فيما بينها، يجب الاعتراف بالآليات الداخلية في مواجهة تقلبات عدم اليقين العالمي، والمصالح الوطنية السائدة وانعدام الثقة المتبادلة والعمل عليها.
حتى الآن، تواجه رؤية تجمع الآسيان، القائمة على الرؤية المستنيرة للتضامن وقيم وأهداف التكامل الإقليمي، طريقاً مليئاً بالتحديات والعديد من القضايا والانقسامات الهيكلية التي لم يتم حلها بعد. لذلك إن الانفتاح، ورعاية المصالح المشتركة والانسجام، والشفافية، وزيادة الاعتماد المتبادل،وتكثيف الثقة هي بعض الاستراتيجيات الرئيسية التي يجب تنفيذها لرسم مسار المستقبل أمام دول “الآسيان” لتعزيز التضامن بين صانعي السياسات والدول.
و لكي تستمر الآسيان بالحفاظ على أهميتها، يجب أن يُنظر إلى التعزيز الداخلي لتعزيز روح الآسيان على أنه جهد مستمر. وكي يحدث ذلك، يجب تعزيز مستوى الاعتماد المتبادل بين الدول الأعضاء، والحفاظ عليه لتقليل التوترات والصراعات والتنافس. إضافة إلى ذلك، يجب دفع التجارة البينية الإقليمية لتعزيز حصة عادلة من المصالح والمنافع المتبادلة، وغرس المزيد من الشعور بالاعتماد المتبادل والتعاون، كما يجب تكثيف الدعم والمنهجيات الصحيحة في تقليل التفاوت في الأداء الاجتماعي والاقتصادي بين الدول الأعضاء حتى تتمكن من التقدم بفعالية وزيادة الأنشطة الاقتصادية والنمو في المنطقة.
من خلال غرس شعور أعمق بالأهمية المتبادلة والجماعية، تحتاج “الآسيان” إلى الحصول على الحافز وعامل الجذب للدول الأعضاء للالتزام وتقليل المخاوف من رد الفعل العكسي من قبل القوى الخارجية التي اعتمدوا عليها لعقود. لذلك إن التعاون في مجال السياسات الاجتماعية، بما في ذلك الرياضة والتعليم وحماية البيئة والتوعية وغيرها من مجالات التبادل التعاوني الأسهل، سيخلق تأثيرات مضاعفة في زيادة تكامل التفاهم الجماعي والجهود نحو الثقة الإقليمية.
على الرغم من أن العلاقات بين الحكومات كانت مشجعة، إلا أن اتخاذ مزيد من الإجراءات أمر حاسم لتعزيز العلاقات بين المواطنين لزيادة الشعور بروح الآسيان والعمل الجماعي بين الشعوب. لذلك، ينبغي توجيه مزيد من التركيز نحو تعزيز دبلوماسية المسار الثاني في تعزيز التفاهم والتسامح والقبول والوعي بين الكيانات غير الحكومية، حيث ستكون الآثار غير المباشرة للتكامل والتعاون في مجالات السياسة العليا مفيدة مع زيادة الشعور بالتكامل والشفافية والتماسك والعلاقات الاقتصادية الأفضل والانفتاح في التجارة التي ستحفز النمو الاقتصادي.
من المؤكد أن الأمر سيتطلب أكثر من مجرد الإرادة السياسية والالتزام من قبل الدول الأعضاء لتقييم المكاسب والخسائر وفي موازنة الآثار التي قد تترتب على الإجراءات التي اتخذت، فالآسيان في الواقع عند مفترق طرق حيوي وفي خضم انتقال كبير إلى دور جديد في المنطقة وما ورائها، حيث أصبح الواقع أكثر حيوية وخطورة في مواجهة الحدة المتزايدة للمنافسة الجيوسياسية والقوى الكبرى. وقد تكون منظمة متكاملة ومترابطة للغاية ذات رؤى جريئة جديدة والتزام قوي هي النتيجة الطموحة للجميع، ولكن سيكون من الصعب تحقيقها عندما تظل التحديات الهيكلية والنظامية بدون حل. ومع زيادة التركيز والجهود في تعزيز الثقة الجماعية والاعتماد المتبادل وتقليل قبضة وتأثير القوى الخارجية، يمكن بدء انفتاح أكبر.
إن تعزيز المزيد من تدابير بناء الثقة المتبادلة، وإنشاء سياسات أكثر فائدة سيساعد على تسهيل الطريق بمزيد من المسؤوليات المشتركة، لأن مستقبل آسيان يعتمد على حكمة وبصيرة صانعي السياسات الحاليين والمستقبليين لمواصلة السعي نحو الحداثة والتغيير من خلال رسم مسار المستقبل بأفكار جديدة تستند إلى حقائق جديدة، مع مراعاة الماضي دون المساومة على القيم الأساسية والركائز والرؤى التي تهم الآسيان.
لقد حان الوقت للارتقاء إلى مستويات مناسبة تحول الآسيان وضمان أن دورها وأهميتها سيظلان في مركز الصدارة في صنع السلام ومنع الصراع. ومن أجل زيادة رفع دعامة السلام والاستقرار، والحفاظ المستمر على المرونة الإقليمية، تحتاج الآسيان إلى اتجاهات وآليات جديدة لن تكون ممكنة إلا من منظور جريء جديد والاعتراف بنقاط ضعفها وحواجزها الحالية.