حاجات سوق العمل حتى العام 2030 ..60% من الوظائف ستختفي في غضون 10 سنوات لتوجد وظائف أخرى
دمشق – البعث الأسبوعية
يتفق جميع الباحثين والأكاديميين على أن أي اقتصاد يعاني من خلل في سوق العمل هو اقتصاد طارد للاستثمار وهذا مايجعل قضية سوق العمل من أبرز قضايا الاقتصاد السوري التي تستدعي البحث في الإختلالات التي تعتريها وفي مقدمتها قانون العاملين الموحد للعام 1985 والذي قاس جميع عاملي الدولة بمختلف قطاعات ورغم اختلاف طبيعة أعمالهم ضمن معيار أو مقياس موحد، باستثناء الجامعات والعاملين ضمن قطاع النقل الجوي ومن الأسباب أيضاً اعتماد البنية التشريعية لسوق العمل على القانون رقم 17 الذي ينظم علاقات العمل ضمن القطاع الخاص والذي بدأت الملاحظات تثار تجاهه منذ اليوم الأول لتطبيقه ودخوله حيز العمل، ومع ذلك فهو لا يطبق حتى بصيغته الحالية رغم ما أثير حولها إلى جانب سياسة التوظيف الاجتماعي جزء من مسؤولية هذه الإختلالات ورغم البعد عن تلك السياسة إلا أن آثارها لم تنقطع أو تعالج كونها مكرسة ضمن ثقافة والقرار لوحده لن يلغيها وهناك أيضاً قانون الاستثمار رقم 18 الذي يحتاج إلى بنية قانونية متكاملة كما يحتاج إلى تأمين متطلبات الاستثمار وثقافة عمل جدية والابتعاد عن المركزية في الإجراءات وتبني عقلية منفتحة بالتعامل مع كافة المشكلات.
ولاشك أن العمل الجماعي المتقن بين كافة وجهات النظر من قبل ممثلي كافة الجهات العامة والخاصة والنقابية والجامعية والبحثية على اعتبار أنها ليست قضية خاصة بالعاملين وحدهم بل هي قضية هامة وتنعكس على كافة أوجه النشاط الاقتصاد الوطني كما تعد من أبرز القضايا الوطنية التي لا يمكن إقصاء أي طرف عن المشاركة برأيه تجاهها.
الباحث الاقتصادي محمود يوسف أشار إلى أنه يوجد خلل بين الملاك العددي في الجهات العامة ومخرجات التعليم رغم بدء بعض التحركات لطرح تخصصات دقيقة ومناسبة مثل(نظم الاتصالات، إدارة الأعمال، تمويل ومصارف)
ويرى يوسف أن من أهم إختلالات سوق العمل وجود صراع بين الشهادة والتخصص وبين الشهادة المطلوبة للعمل والخبرة في العمل إضافة لسوء استثمار القوى العاملة الموجودة والاختلال بين التوزع الجغرافي للقوى العاملة ومنشآت العمل وهذا مايستوجب تغيير نمط الاستقطاب من خلال التركيز ضمن المسابقات على المهارات الذاتية للمتسابق والتي ستمكنه من تحويل معلوماته إلى ممارسةو التركيز مستقبلاً على مهارات استخدام الحاسب بنسبة 40 % من الاختبارات كما يتطلب الامر برأي يوسف أن تساهم التربية الاجتماعية في توجه الفرد إلى سوق العمل وإلى تقدير خبراته وفرصة العمل المناسبة له، لافتاً إلى خلل في توزيع الوظائف حيث أنها تتوجه نحو قطاع التربية والصحة رغم أن اقتصادنا زراعي ومن ثم زراعي صناعي ومن ثم صناعي تحويلي، كما أن حوالي نصف العاملين من الشهادات من الثانوية فما دون، في حين أن نسبة 24% منهم من حملة الشهادات الجامعية، والبقية من خريجي المعاهد المتوسطة والتقانية والمهنية، مشيراً لوجود خلل كبير بين العرض و الطلب في سوق العمل يصل لدرجة الندرة في الطلب وبشكل يعكس الخلل في المؤشرات الاستثمارية.
في المقابل هناك عدد كبير من الباحثين الاقتصاديين يرون أن سوق العمل في القطاع الخاص عبارة عن سوق مشوه وغير قادر على استقطاب الكفاءات في حين تكتنف القطاع العام مشكلة البطالة المقنعة ويعتري هذا السوق الاختلال الجندري والقطاعي كما يتصف بالعرض أكثر من الطلب، ويعاني الشح في بعض القطاعات والتخمة في قطاعات أخرى .
ويرون أن وضع سوق العمل لدينا يثير الكثير من التساؤلات، فهل نملك الأدوات للتأثير في سوق العمل لإقامة التوازن بين العرض والطلب؟ وهل القطاعان العام والخاص جاهزان لاستيعاب مخرجات التعليم بأنواعه، والقوى البشرية المتاحة؟ وإن كان سوق العمل لدينا يستجيب للثورة الصناعية الرابعة من خلال الأعمال الافتراضية والإلكترونية، وإذا علمنا أن 70% من العمال يقعون ضمن قطاع غير منظم من ناحية الحقوق والتأمينات، فما جدوى الحديث عن التنظيم لسوق العمل؟ وماذا عن تداعيات”كورونا”وعدد العمال الذين أخرجهم من أعمالهم، وكيف سينهض هذا السوق إذا كانت مساهمة المرأة ضعيفة فيه؟ كما أن قطاع العمل ليس له نصيب في الناتج المحلي.
وأشاروا إلى أنه من أبرز المخرجات التأشيرية المتوقعة مدى قدرتنا على إعداد أدلة استرشادية للعرض والطلب في سوق العمل، وتحديد الاحتياجات المستقبلية له، ومدى قدرتنا على استيعاب الفئة الديموغرافية الأكبر في مجتمعنا الواقعة بين 16-64 سنة، والتركيز على مسألة مراكز التدريب ومواءمتها لسوق العمل، كما أن الطلب على العمالة الإلكترونية واقتصاديات المعرفة يعاني من مشكلة الشح بعكس دول كثيرة أقلعت لديها التجربة مؤخراً، وبالنظر لمسألة تشغيل الشباب فلا توجد لدينا إحصاءات دقيقة حول نسبة المهاجرين منهم، لعدم امتلاكنا قواعد بيانات خاصة بقوى العمل لكون معظم أرقامنا قديمة وتعود لمرحلة ما قبل الأزمة بإسقاطات تقديرية لعدم القيام بمسوحات ميدانية، إضافة إلى أن مفاضلة التخرج ما زالت تخرج كوادر لا عمل لها في سوق العمل ومع ذلك هي مستمرة على ذات المنوال.
الدكتور تامر مزيد يرى أن اقتصاد المعرفة هو جوهر نجاح البلدان المتطورة، وهذا يطرح التساؤل أين نحن حالياً من هذا الاقتصاد وهل يمكننا ربطه مع سوق العمل، مؤكداً أن اقتصاد المعرفة هو أي اقتصاد ينتج منتج معرفي ويحقق الأرباح من بيعه، ويمكن استخدامه في كافة القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة، وحتى في الجامعات، وهو اقتصاد يعتمد المعرفة كعنصر أساسي ومن ثم يأتي دور رأس المال بعكس الاقتصاد التقليدي، و هذا الاقتصاد يحتاج مجموعة ركائز تتألف من جودة التعليم والبنية التحتية البرمجية والاتصالات وتطوير منظومة البحث العلمي ومنظومة الابتكار وأكد أنه ينبغي علينا مجاراة التطور التكنولوجي الحاصل عالمياً، ونقل المعرفة أو نقل التكنولوجيا لسوق العمل، فمثلاً البحث الذي يقوم به الباحث أو طالب الدراسات العليا يجب أن ينقل إلى المستثمر لتنفيذه وهذا هو جوهر نقل المعرفة حيث يوفر اقتصاد المعرفة والتطوير التكنولوجي للمنتج الصناعي النفقات بنسبة من 40-50%، ويزيد من قدرة المنتج على المنافسة.
الدكتور عبد الحميد منصور ركز على أهمية بناء العقول قبل أي عنصر آخر من عمليات بناء المهارات المطلوبة للموارد البشرية في سوق العمل قبل عمليات البناء المادي، مشيراً إلى ضرورة توقع حاجات سوق العمل حتى العام 2030 وإلى توجه الموارد البشرية نحوها لأن 60% من الوظائف ستختفي في غضون 10 سنوات لتوجد وظائف أخرى بدلاً منها يمكننا التنبؤ بها من خلال المهارات التكنولوجية المطلوبة لاقتصاد المعرفة.