خرائط السماء بين الحضارات والبروج وموسيقا الفضاء
البعث الأسبوعية-غالية خوجة
يتسع الكون ويتمدد ويثير فضول الإنسان، فيبحث في ظواهره المختلفة مغامراً في سبيل الاكتشاف، ولعل الموسيقا الأولى لهذه الأبعاد الزرقاء والبنفسجية واللازوردية والحمراء والصفراء والبرتقالية والبيضاء والسوداء هي الوشيش الكوني المتشابك ذرات غير منظورة المشكّلة لتلك المادة الهيولية الأشبه بمياه الرحم التي يسبح فيها الجنين، فتموج المدارات والمجرات والنجوم والكواكب وتموج الأرض التي تحضن الإنسان الباحث عن موسيقاهُ ضمن هذه الموسيقا الكونية.
العين تسمع أيضاً
ولولا حاسة البصر الثاقبة لأجدادنا عبْر العصور والحضارات، لما استطعنا الوصول إلى ثقافتنا الحالية الخاصة بالسماء وخرائطها، ولما استطعنا رؤية الموسيقا المبحرة في الفضاء، ولما تعرفنا إلى بدايات أسرارها السحيقة التي اكتشفها الإنسان في اجتيازه خرائط الأرض إلى خرائط السماء، ومنها إطلاق “سبوتنيك” الروسية عام 1957، ثم وصول الروسي يوري غاغارين إلى الفضاء 1961، والأمريكي نيل أرمسترونغ عام 1969، ورافق وصول الإنسان إلى القمر، العديد من الأغاني مثل أغنية رجل الفضاء – فرقة “ذا بيردسـ الطيور”، كما أنتجت هذه المرحلة قصائد ساخرة، مثل قصيدة”الرجل الأبيض على القمر- للشاعر غيل سكوت هيرون”، مقارناً بين ما يحدث على الأرض والسماء:”لا أستطيع دفع فواتير الطبيب، لكن الرجل الأبيض على القمر، بعد عشر سنوات من الآن سأظل أدفع، بينما الرجل البيض على القمر”.
ثم، بدأ الفضاء يدخل إلى عالم الأدب والسينما والأفلام والمسلسلات والكتب الموجهة للأطفال وراجت روايات الخيال العلمي، وممن كتبوا في هذا المجال نذكر الكاتب فايز فوق العادة، واستمرت الحياة في بعدها التراكمي المتطور إلى أن تجاوز الإنسان اختراعاته بين سفن الفضاء ومركباته ومكوكاته وصواريخه ومناظيره ليقترب من الشمس أكثر مع رحلة جيمس ويب، وهو يحلم بأن يسكن القمر والمريخ ويستوطن في هذا العالم المدهش.
سيمفونية كونية
ويخبرنا العلم بأن أول موسيقا يسمعها الإنسان هي نبضات أمه، وربما الأرض تفعل ذلك، فتستمع إلى هذه الموسيقا السابحة في الفضاء والتي حاول المبدعون تجسيدها بأعمالهم المختلفة من شعر اشتهرت به العرب ونسبته ل”وادي عبقر”، فظهر الفضاء ومكوناته في قصائدهم، وكان أول من طار في الفضاء الشاعر المخترع عباس بن فرناس، وكان أول من أوجد القبة الفلكية المحاكية لقبة السماء، ثم سبح الفضاء في عوالم الإنسان وإبداعاته وظهرت الأجنحة ورموز التحليق بين رسم وتشكيل، إضافة إلى اكتشاف الكون من خلال العلوم الفلكية المختلفة، منها الفيزياء الكونية، ونسبية آينشتاين، وهندسة الفراغ والفضاء والكون والرياضيات والخرائط الخاصة بقراءة السماء، وبأدواتها التي تبدأ بالعين المجردة وتعبر إلى الاصطرلاب ومقراب غاليليه وصولاً إلى التلسكوبات البصرية والراديوية.
وكان أن انطلقت هذه التجربة الواقعية للوصول إلى الفضاء مع أدوات جديدة، مثل “سبوتنيك” و”هابل” وأخيراً تلسكوب “جيمس ويب” المكنّى باسم مدير وكالة الفضاء “ناسا” جيمس إدوين ويب والذي أشرف على أول الرحلات المأهولة للفضاء بين عامي (1961-1968)، وهذا التلسكوب أرسل لنا صوراً ملتقطة بالأشعة فوق البنفسجية-تحت الحمراء، لمجرات جديدة تشاركنا في هذه الموسيقا الفضائية التي تَبارز العديد من المبدعين الموسيقيين في تأليفها، ومن أبرزهم كل من المؤلفين الألمان: يوهان شتراوس، يوهان سباستيان باخ، لودفيغ فان بيتهوفن، واليوناني “فانجيليس أوديسياس باباثناسيو”، بينما اقترح العالم كارل ساغان أن يرسل مع المسبار “فوياجر” رسالة من الحضارة البشرية على الأرض إلى كائنات الفضاء الأخرى، وجاءت الرسالة عبارة عن أسطوانة موسيقية عمرها الافتراضي ألف مليون سنة، ومقطوعتها الأخيرة لبيتهوفن “كافاتنيا موفمنت-cavatina movement”.
وهذه الموسيقا الحالمة مع الإنسان باكتشاف الكون تجعلنا نبصر الألحان والنغمات ونرحل بين لغة الكون وموسيقانا الداخلية المنتسجة مع موسيقا الفضاء الخارجي، لنعود إلى ذاوتنا بتفاؤل لا يمكن أن يمنحه الفضاء الالكتروني وحده، لأننا سنخرج من ذواتنا أشخاصاً متجددة لنقابل ذواتنا بهيئاتها الأكثر اتساعاً ورحابة وطمأنينة، وكأننا نجسد بيت الشعر القائل:”وتحسب أنك جرمٌ صغير..وفيك انطوى العالم الأكبر”، ومن بصيرة أخرى، كأننا نتأمل قصيدة “له المجد- أوديسيوس إيليتس/ترجمة شاكر لعيبي”، خصوصاً، عندما يقول:”فلا تكُ حيث تتناثر الجذور.. لتتوارَ،إذن، دائماً، أكثر عمقاً، وعالياً، حيث السماء على امتداد البصر، لتقرأ وحيداً شفافية اللا متناهي، إجمالاً، الكون، الطفيف، متعذر الغور”، رامزاً إلى أن نقرأ أنفسنا ككون طفيف في الكون الأشمل.
وبلا شك، يتساءل الكثيرون عن الأبراج وعلاقتها بحياتهم، ولكن، هل هناك علم لأبراج الحظ والتنجيم؟
البروج بين العلم والتنجيم
أجاب عن ذلك المهندس محمد مجد الصاري رئيس الجمعية الفلكية بحلب عن بروج السماء في محاضرته بالمركز الثقافي العربي بالعزيزية: أكدت الدراسات والتنقيبات على أن أولى الحضارات وأقدمها كانت حضارة الهلال الخصيب الممتدة من الخليج العربي إلى الساحل السوري، ولقد أبدعت هذه الحضارة بالاكتشافات والعلوم، وهناك رقيمات طينية بالكتابة المسمارية تتحدث عن القمر وحتى عن مذنب هالي، ومن هذه الرقُم رقيمٌ فخاري مقسم إلى أشهر السنة، واشتهر البابليون الذين ما زلنا نسير على خُطاهم بالعلوم، ومنها علم الفلك وابتكارهم للاصطرلاب البابلي ورسمهم للخارطة السماوية التي تظهر كوكبة الهيدرا وبرج الأسد واكتشافهم للمشتري الذي اعتبروه كبير آلهتهم “مردوك”، مع ملاحظة ارتباط الأديان بالسماء، وتعتبر هذه الخارطة الخطيرة “استيريو خرافياً”، ورسموا كل نجمة بنقطة، واعتمدوا 8 أقسام أساسية، ولا نعرف لماذا حتى الآن، ولذلك، هناك آلاف الرقم بحاجة للقراءة والتدقيق، والملفت أنهم قاموا بتسطيح الكرة، وهذا العلم الهندسي أجاده البابليون، وعرفوا الكواكب السيارة والنجوم وميزوا بينها، وأوجدوا الدائرة، وقسموها إلى 360 درجة، وقسموا السنة إلى 12 شهراً، والشهر إلى 30 يوماً، واكتشفوا دائرة البروج من خلال المرور اليومي للشمس، ومن أقدم الخرائط السماوية خارطة صارغون الثاني عام 1790ق.م، ثم انتقلت المعلومات للحضارة الإغريقية، وظهرت خارطة بطليموس للسماء، بينما تطورت العلوم مع الحضارة الإسلاميةالتي واصلت علم الفلك محرّمة التنجيم كونه غير علمي وزائف وعبارة عن رجم بالغيب أشبه ما يكون بقراءة الفنجان، وذلك لأسباب عديدة، أهمها الدلائل العلمية المؤكدة على زيف التنجيم، منها أن البروج الحقيقية ليست 12 برجاً، بل هي 13 برجاً والثالث عشر أسموه “الحاوي”الواقع بين العقرب والقوس، ومن الأدلة العلمية أن الأبراج انزاحت 10 درجات، ونقطة الاعتدال الربيعي انتقلت من برج الحمل وأصبحت في برج الحوت، وهذه العوامل العلمية لا يأخذها المنجمون بعين الاعتبار، ولذلك، فإن البروج عبارة عن تسلية وعلى الجميع ألآّ يقتنع بها كي لا يصاب بأمراض نفسية.
وأشار الصاري مخترع الاصطرلاب الحديث إلى العديد من المؤلفين في هذا المجال، منهم البيروني وكتابه “التفهيم لأوائل صناعة التنجيم” وهو من تحقيقي، والذي فصّل فيه الطبائع تبعاً لعناصر الطبيعة، وعبد الرحمن الصوفي وكتابه صور الكواكب الثمانية والأربعين والذي استمر مرجعاً أساسياً لمدة 10 قرون، واشتهر بأنه لم يدوّن ما لم يره، ولذلك تميز فيما تميز بأرصاده وحساباته الدقيقة، مما جعله ينال ثقة العلماء لألف سنة.