التّطبيع وآفاقه
عبد الكريم النّاعم
قال: “هل تتابع تسارعات التطبيع مع العدوّ الصهيوني عربيّاً”؟!!.
أجابه: “أتابع حين تتوفّر الكهرباء.. نعم، تابعتُ ذلك وأحزنني وأغضبني، ولكنّه لم يكن مفاجئاً”.
قاطعه: “كيف لا يكون مفاجئاً”؟!.
أجاب: “التنسيق مع العدوّ، لدرجة التطبيع المستور ليس جديداً”.
قال: “هل توضّح”؟.
أجاب: “منذ أن بُدئ بإنشاء هذا الكيان، وأثناء (الحرب)!! التي خاضتْها الجيوش العربيّة، بدءَ تأسيس ذلك الكيان، كان ثمّة مَن ينسّق سرّاً مع العدوّ، وهذا ليس ادّعاءً، فقد أصبح مكشوفاً الدور الذي لعبه الملك الأردني عبد الله الأوّل، الذي كان قائداً لتلك الجيوش، فقد كان على تنسيق كامل مع قيادات الإسرائيليين، والوثائق التي كُشف عنها حتى من قِبَل الإسرائيليين تؤكّد ذلك، وكانت النّقلة النّوعيّة الأخطر ما قام به أنور السادات في كامب ديفيد، بعد أن خان الاتفاق مع الرئيس الراحل حافظ الأسد”.
قاطعه: “هذا أصبح معروفاً للجميع”.
تابع: “لا ليس للجميع، ثمّة أجيال جديدة لا تعرف عن ذلك شيئاً، فالذين وُلدوا أواخر عشريّة الخراب، أعمارهم الآن في الثانية عشرة، أي بَدْء اليفاع، اسمع، روى لي أحدهم أنّ حفيداً سأل جدّه: “صحيح جدّو أنّو كان على دوركن الكهربا ما تنقطع”، فأجابه بإيماءة موافقة من رأسه، وهذا يشير إلى ضرورة تكرار ما مضى، لمعرفته من جهة، وللإضاءة على ما يجب أن يكون”.
قاطعه: “ولكنْ ألا ترى تسارع عواصم عربيّة لإنشاء جسور التطبيع”؟.
قال: “نعم أرى ذلك، وهذا يمكن أن يُقرأ على أنّ ثمّة أزمة في إسرائيل ذاتها، داخلية تتجلّى في الانتخابات المبكّرة المتعدّدة خلال ثلاث سنوات لا غير، كما أنّ ثمّة دراسات تشير إلى أنّ العدو الصهيوني يعاني من تشقّقات داخليّة، وذلك ليس بفعل داخليّ بحت، فالذي لاشكّ فيه أنّ المقاومة قد عزّزت من قدراتها بحيث أصبحت يُحسب لها ألف حساب من قبل العدوّ”.
قاطعه: “ألا ترى أنّنا ابتعدنا قليلاً عن موضوع التطبيع”؟!.
قال: “لا، لا أرى ذلك، بل ما زلنا في صميم الموضوع”.
قال: “ألا تشكّل خطوات التطبيع مع العدو تعميقاً للخطر”؟.
أجابه: “يا صديقي، الإسرائيليون راهنوا على التطبيع مع مصر الشعب بعد كامب ديفيد، فماذا كانت النتيجة؟ لقد فشلوا فشلاً ذريعاً، وللأجيال الجديدة أذكر أنّ السفير الإسرائيلي في مصر، وهو من يهود مصر، شكى من أنّه في العمارة التي يسكن فيها لا أحد يُلقي عليه التحيّة، وإذا حيّاهم يتجاهلونه، وإذا أراد الصعود في المصعد يغادره الصاعدون، ليس ذلك فحسب، بل ذهب إلى مطعم شهير في القاهرة يقدّم “الطّعميّة” – أي الفلافل – وبعد أن أكل وجبته أراد دفع الحساب فقال له الجالس وراء صندوق المحاسبة “واصل”، ولمّا سأل مَن الذي دفع عنه، أجابه بلهجته المصرية: “ما تفهمها بقى، مش عاوزين فلوسك، ومش عاوزين تجي تاني”.
الإسرائيليّون حلموا بعد كامب ديفيد بالتطبيع مع الشعب لا مع الرؤساء، فهم على صلات متينة مع بعض (قادة)!! العرب، وأوسعها كان مع الأردن والمملكة المغربيّة، وها هم الآن يتمدّدون رسميّاً، فماذا عن شعوب المنطقة؟ لقد أفلس القادة الصهاينة في اختراق الجدار الشعبي فلجؤوا لاختراق الجدران الرسميّة، وليس من السهل الوصول إلى التطبيع مع الناس، فثمّة تاريخ طويل بين أهل هذه الأرض وبين الصهاينة، وعمّق الجرح ما فعلوه في الأرض المحتلّة، وما يفعلونه يوميّاً، ولا يمكن ردم ذلك بسبب ما تركوه من مآسٍ، وما يُضمرونه من خبث، نعم نحن الآن أمام صهيونيّة عربيّة رسميّة لا بدّ من الحذر لإفشالها.
aaalnaem@gmail.com