حسب التوريدات..!!
علي عبود
بتنا على قناعة تامة أن وزارة الكهرباء لا تكترث بالآثار الكارثية التي تسبّبها للناس وللفعاليات الاقتصادية والخدمية عندما تفرضُ برامج التقنين المسبقة أو الطارئة، لأن همّها الأكبر، بل حجتها الجاهزة: ننتج الكهرباء وفق ما يردنا من محروقات. كما أن وزارة النفط آخر اهتماماتها ما تسبّبه قراراتها بترشيد توزيع المحروقات إلى مستويات غير مسبوقة من كوارث لقطاعي الصناعة والزراعة، وتبريرها الجاهز دائماً وأبداً: التوزيع حسب التوريدات لا حسب الحاجات!
ومع أن الجميع يتحدث عن معاناته بسبب النقص الشديد في حوامل الطاقة، ويصف ما يحصل معه بالكارثة، فإننا لم نقرأ دراسة أو تقريراً أو مذكرة رسمية ولا حتى نقابية تتناول حجم الكوارث الاقتصادية التي لحقت بالبلاد والعباد بفعل الكهرباء والمازوت.
والكارثة هنا نسبية لكنها تبقى كارثة، سواء بالنسبة للأسرة التي تخسر مؤونتها بسبب تعفنها وفسادها بفعل الانقطاع الطويل للكهرباء، أو لأصحاب المحال التي تبيع الغذاء بفعل عدم انتظام التيار، أو للمزارع الذي يخسر محصوله لعجزه عن ريّه بفعل نقص المازوت، أو للصناعي الذي تتوقف عجلات آلاته عن الإنتاج بفعل شحّ حوامل الطاقة.. إلخ!.
نعم، نقرأ هنا وهناك عن توقف عدة شركات صناعية عامة عن العمل والإنتاج، دون أن يبادر الوزير المختص بالتنسيق مع وزيري الكهرباء والنفط لتأمين مستلزمات الشركات من حوامل الطاقة كي لا تتعرض لكوارث اقتصادية تتجسّد بخسائر تراكمية تتجاوز المليارات سنوياً.
ولا يختلف الأمر كثيراً في القطاع الخاص، فعدم قدرة الحصول على المازوت والكهرباء لضمان استمرارية العمل، إما سيؤدي إلى توقف المنشآت عن العمل والإنتاج، مع ما يعنيه ذلك من تسريح للعمال وانضمامهم إلى صفوف المتبطلين وتراجع دخل الأسرة، أو اضطرار المقتدرين مالياً لتأمين المادة من السوق السوداء مع ما يعنيه ذلك من رفع كبير لأسعار منتجاتهم وخدماتهم، أي كارثة سعرية للمستهلكين!.
من المؤكد، وليس من المفترض، أن وزير الصناعة يعرف حاجات معامل القطاعين العام والخاص من الكهرباء والمازوت، وبالتالي يُفترض تزويدها باحتياجاتها وفق برنامج زمني بالتنسيق مع زميليه وزيري الكهرباء والنفط، وهذا الأمر لم يحصل حتى الآن. وفي حال كانت الإمكانيات لا تسمح بتأمين احتياجات المعامل من الكهرباء والمازوت، فهل طرح الوزراء المعنيون الخيارات البديلة التي تجنّب البلاد والعباد الكوارث الاقتصادية باستثناء خيار السوق السوداء؟.
يتحدث وزير الكهرباء في كلّ الأوقات عن الطاقات المتجدّدة، لكنه لم يطرح أي مشروع لإقامة شركة مساهمة مثلاً بالتشارك مع غرف الزراعة والصناعة والتجارة، مهمتها إقامة مشاريع تضمن تأمين الطاقة الكافية للصناعيين والتجار والمزارعين؟.
وعندما تتعرّض البلاد لحصار ينتج عنه أزمة حوامل طاقة من الخطأ الجسيم إلقاء مسؤولية استنباط الآليات البديلة على الأفراد، بل يجب أن تبادر الحكومة مع الاتحادات المشرفة على الفعاليات الاقتصادية لابتكار حلول جماعية فعّالة تكسر الحصار، وتضمن استمرارية الإنتاج بكلف اقتصادية لا ترهق البلاد والعباد.
الخلاصة: لا يجوز أن تتعرّض المحاصيل للعطش، ولا المصانع للإغلاق الكلي أو الجزئي، ولا المحال التجارية لتلف مخازينها الغذائية، ولا ملايين الأسر السورية لفساد مؤونتها السنوية بفعل تقصير وزارات الكهرباء والنفط والصناعة والإدارة المحلية عن ابتكار حلول خلاقة بديلة عن نقص حوامل الطاقة!.