المحاكم العمالية.. حضور خجول وسط استمرار تهرب أرباب العمل من التزاماتهم
على مدى أعوام طويلة لا زالت قاعات المؤتمرات ومجالس العمال الدورية تصدح فيها مطالب العمال ذاتها، ولاسيّما أنّ معاناتهم ومشكلاتهم لم تلق آذاناً مصغية، إذ لا زال أرباب العمل في الكثير من المطارح يتهربون من التزاماتهم القانونية المتعلقة بحقوق العمال، سواء في القطاع العام أو الخاص، لنشهد خلال سنوات الحرب والسنوات التي تلتها حالات طرد جماعي للعمال في القطاع الخاص، ناهيك عن انتهاكات واضحة لحقوقهم، سواء في الأجور أو الترفيعات أو الإجازات التي يتمّ “خصم” جزء لا يُستهان به من الأجر عن كلّ يوم غياب وغيرها من التجاوزات التي وصلت إلى إجبار العمال في الكثير من المطارح على الدوام لساعات إضافية مع اختصار أوقات الاستراحة المسموح بها دون إضافة للأجر المستحق أو التأخر في دفع الأجور في كثير من الأحيان، بحجة أن العمل في الوقت الراهن يشوبه الكثير من العوائق والصعوبات وسط خنوع وقبول عن غير قناعة من العمال ممن لا حول ولا قوة لهم سوى الرضا بهذه الشروط التعسفية ريثما يحالفهم الحظ في السفر أسوة بمن سبقهم من تلك اليد العاملة الخبيرة.
حقوق ضائعة
وعلى الرغم من انتهاء فصول الحرب في الكثير من المطارح وعودة عجلة المعامل والمنشآت للدوران من جديد، إلا أن فصول الظلم وتجاوزات أرباب العمل لقانون العمل لا زالت حاضرة وبشدّة في هذه الأماكن، وسط غياب شبه تام لدور المحاكم العمالية التي لا زال حضورها خجولاً في حجب الظلم الواقع على العمال الذين لم يفقدوا الأمل المرجو منها، إذ قلّما يتمّ ذكر هذه المحاكم في المؤتمرات والمجالس العمالية، وكأن وجودها بات أمراً شكلياً وسط عجز وشلل حقيقي عن القيام بدور فعلي في حماية العمال واسترداد حقوقهم الضائعة على مدى عقود طويلة، فعلى الرغم من هجرة الكثير من اليد العاملة الخبيرة خارج البلاد ومعاناة الكثير من المنشآت من نقص هذه اليد، إلّا أن الغبن لا زال يطال ما تبقى من العمال في هذه المنشآت، إذ لا زالت همومهم ومشكلاتهم ومطالبهم ذاتها تتكرر وبشدة في كل عام، ولا زالت الحلول صعبة المنال طالما أن الدعم ومحاباة أصحاب القرار لأرباب العمل هي سيدة الموقف.
حاجة للقانون
ولم يلقِ أصحاب الشأن اللوم على أرباب العمل وتماديهم في تجاوزاتهم بإعطاء العمال حقوقهم ومستحقاتهم أصولاً، إذ يرى المحامي أحمد عثمان ضرورة العمل على إيجاد قانون عمل متوازن يحفظ الحقوق والواجبات والالتزامات بين طرفي العقد، خاصّة وأن العامل يعتبر الأضعف في طرفي العلاقة بين العامل وربّ العمل، فلا زال قانون العمل الخاص يضع “العصمة” بيد ربّ العمل دون أن يعطي العامل أي حق للدفاع وحماية موقع عمله، وبالتالي فإن منهجية القانون المعتمدة دون وضع ضوابط جعلته أعرج في التطبيق العملي. وتطرق عثمان إلى مناشدات أرباب العمل اليوم ومطالبهم بعودة اليد العاملة التي فقدوها خلال سنوات الحرب متناسين حالات الطرد التعسفي أو الإغلاق الكلي والجزئي للمنشآت الخاصة والتي أفقدت آلاف العمال مصدر لقمة عيشهم واضطرتهم للهجرة، وغيرها من العوائق التي بدت واضحة خلال سنوات الحرب والتي أكدت الحاجة إلى قانون أكثر تنظيماً وتوازناً، ناهيك عن الحاجة الكبرى لتفعيل عمل المحاكم العمالية المحجبة حتى الآن لأسباب غير مفهومة، في الوقت الذي تؤكد الوقائع الملموسة أهمية وجودها وبشدة.
محاكم عمالية
وحول واقع عمل المحاكم العمالية، تحدث محمود دمراني مدير مديرية العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن القانون 17 لعام 2010 الناظم للعمل في القطاع الخاص والأهلي والتعاوني والمشترك، مشيراً إلى أن المادة 279 منه نصّت على إلغاء القانون 91 لعام 1959 وتعديلاته والمرسوم التشريعي رقم 49 لعام 1962 وأعطته سلطة البتّ في المنازعات الناشئة عن تطبيقه بين العمال وأصحاب العمل إلى المحكمة المختصة والمشكلة بموجب المادة 205 من القانون “17”، كما نصّت المادة 206 على وجوب أن تفصل المحكمة المختصة على وجه السرعة في منازعات العمل الفردية وفق أحكام قانون العمل وعقد العمل المبرم بين الطرفين، وبيّن أن المادة 207 من القانون نصّت على أنه يقبل الحكم الصادر عن المحكمة المختصة بالطعن أمام محكمة الاستئناف وقرارها مبرم وتطبق المحكمة قانون أصول المحاكمات، ولفت دمراني إلى المادة 209 التي أكدت أنه في حال وجدت المحكمة أن تسريح صاحب العمل للعامل غير مبرّر ألزمت صاحب العمل بالتعويض على العامل وفق الأحكام المنصوص عليها في القانون، إلا إذا قبل صاحب العمل إعادة العامل إلى عمله ويتم صرف أجور العامل عن فترة التوقف.
تثبيت عقود
وعلى أرض الواقع وفي ضوء التطبيق العملي للمادة 205 من القانون المتعلق بتشكيل محكمة بداية في كلّ محافظة والعقبات التي واجهت التطبيق بالشكل الأمثل، أشار مدير العمل إلى المرسوم 64 لعام 2013 والذي عدّل تشكيل المحكمة، بحيث تمّ إحداث محاكم عمل في مركز كل محافظة تنظر في المنازعات المتعلقة بالعمل الفردي، كما فرغ المرسوم أعضاء المحكمة المشكلة للعمل فيها ومنحهم تعويضاً شهرياً من الجهة التي يمثلونها، وأخضعهم للالتزامات والواجبات الملقاة على القضاة بموجب قانون السلطة القضائية، وبناءً على المرسوم الذي عدّل المادة 205 فقد تمّ إحالة الدعاوى العمالية القائمة أمام محكمة الصلح المدني ولجان تسريح العمال إلى المحكمة المختصة المحدثة بموجب المرسوم. ولفت دمراني إلى أن أغلب الحالات التي تحسم فيها الدعاوى من قبل المحكمة يكون الحكم لعامل بتثبيت عقد العمل وضم خدماته لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية من خلال إلزامه بالاشتراك عن العامل بالصناديق التأمينية، إضافة إلى الحكم للعامل بالأجر المتفق عليه مع صاحب العمل مع كافة التعويضات والحوافز التي يستحقها العامل، كذلك رد الدعوى لعدم الثبوت أو عدم صحة الخصومة. ونوه دمراني بأن وزارة الشؤون وبموجب قانون العمل رقم 17 تعمل جاهدة للمحافظة على حقوق العمال من خلال اعتبار أي مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عند إبرام العقد تتم من خلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهائه باطلة، وتقوم بمساعدة العامل لرفع الدعوى أمام القضاء للحصول على حقوقه.
قضايا معلقة
وبالعودة إلى التطبيق الفعلي على أرض الواقع للإجابات النظرية والشكلية التي حصلنا عليها من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كانت النتيجة مخيبة كالعادة، إذ تحدث لنا مصدر في الاتحاد العام لنقابات العمال عن مئات القضايا التي لا زالت معلقة في المحاكم العمالية، ناهيك عن عدم قدرة القانون الناظم لعملها على إعطاء هذه المحاكم الصلاحيات الواسعة لتكون قادرة على منح كل ذي حق حقه. وعن سبب قلة ملاحظات الاتحاد حول هذه المحاكم أوضح المصدر أن ملاحظات الاتحاد لا تنحصر ضمن نطاق المحاكم العمالية ففي القانون ثغرات أهم منها، وفي حال تمّ تلافيها وتصحيحها فإن كلاً من العامل وصاحب العمل سيحصل على حقه ويؤدي واجبه بالشكل القانوني المطلوب، وبالتالي سيخفف ذلك من عدد القضايا المرفوعة إلى المحاكم العمالية، فالقانون الحالي يعاني من اختناقات كثيرة ومن ضمنها عمل هذه المحاكم، لافتاً إلى جهل الكثير من العمال بأغلب ما يتعلق بحقوقهم، وعن حاجتهم لحملات توعية لحقوقهم وواجباتهم كونهم العنصر الأهم في معادلة العمل.
ميس بركات