تايوان.. هل بدأت الصين ردّاً تصاعدياً على الاستفزاز؟
تقرير إخباري:
أما وقد نفّذت العجوز تهديداتها بزيارة جزيرة تايوان وقامت باستفزاز بكين إلى أبعد حدّ، دون الاكتراث بطبيعة التحذيرات التي أطلقتها السلطات الصينية طوال الأيام الماضية، فإن الباب صار مفتوحاً بالفعل على المزيد من الاحتمالات التي يبدو أن أحلاها سيكون مرّاً بالنسبة للإدارة الأمريكية التي ادّعت أنها لا تستطيع أن تمنع بيلوسي الساحرة من امتطاء مكنستها العجيبة لزيارة الجزيرة، وأن ذلك لا يتعارض مطلقاً مع التزامات الولايات المتحدة بهذا الشأن.
ولكن العجوز، التي اعتادت أن تثير عواصف هوجاء في كل مكانٍ تهبط فيه، تدرك جيداً أنها بهذا الفعل إنما تنفّذ مخططاً معيّناً تريد من خلاله جرّ الجيش الصيني إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الجيش الأمريكي إذا ما قام الأخير باعتراض طائرة بيلوسي أو تهديد سلامتها أثناء عبورها الأجواء باتجاه الجزيرة.
ربما استطاعت الساحرة في بداية الأمر تحقيق جزء مما رمت إليه من استفزاز التنين الصيني، والقول نظرياً: إن واشنطن لا تزال لها الكلمة العليا في مضيق تايوان.
ولكن التفاعلات والعواصف الصينية التي أثارها هذا الإعلان لم تكن مطلقاً في حسابات واشنطن، فالإدارة الأمريكية التي اعتادت أن تغطّي هزائمها في مكان ما من العالم بالإعلان عن انتصار في مكان آخر، وجدت نفسها في مأزق كبير على خلفية زيارة بيلوسي الاستفزازية، حيث إنها تغامر بعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع بكين في وقت هي بأمس الحاجة فيه إلى هذه العلاقات على خلفية الأزمات والكوارث التي تعانيها واشنطن على مستوى الاقتصاد الأمريكي المتهالك.
فالجزيرة التي تقول الصين إنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ولن تسمح مطلقاً بأيّ تهديد لمبدأ “صين واحدة” الذي التزمت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة، يبدو أنها ستكون عنوان الأحداث في الأيام المقبلة بعد أن أعلن الجيش الصيني عن إجراء مناورات صاروخية بالقرب من الجزيرة، ردّاً على زيارة بيلوسي، وذلك لردع جميع القوى التي تفكر بمسألة انفصال الجزيرة عن الوطن الأم.
لذلك سيمثل ردّ الفعل الصيني التصاعدي حول هذا الموضوع تحدّياً للهيمنة الأمريكية في منطقة كانت تعدّها حتى زمن قريب منطقة نفوذ لها، ولا أحد يستطيع أن يمنعها من الوصول إليها، حيث إن زيارة بيلوسي هذه يمكن أن تسرّع بشكل كبير عودة هذه الجزيرة إلى السيادة الصينية بشكل نهائي، وبالتالي منع السفن الأمريكية من الحضور في المنطقة إلى الأبد.
ولما كانت الإدارة الأمريكية عاجزة عن منع رئيسة مجلس النواب من زيارة الجزيرة واستفزاز الصين حفظاً لماء الوجه، فإن عليها أن تنتظر عواقب سياسية واقتصادية وعسكرية في قابل الأيام لأن جميع السيناريوهات المترتبة على ذلك في غاية المرارة، فهي لا تملك القدرة الآن على مواجهة عسكرية مع الصين في منطقةٍ هي مجالها الحيوي، كما أن اقتصادها المُشرف على الانهيار بفعل تبعات العقوبات الغربية على روسيا لا يحتمل مزيداً من الهزات، ومعلوم أن يد الصين وصلت إلى بلعوم هذا الاقتصاد.
ربّما تبحث الإدارة الأمريكية حالياً عمّن يستطيع إنزالها من الشجرة الشاهقة التي صعدت إليها في “تحدّي تايوان” على مبدأ: إما أن تنزلوني وإما أن أسقطكم جميعاً.. ولكن لا أحد إلى الآن يستطيع التقدّم بمثل هذه المبادرة حتى أقرب حلفائها، لأنهم جميعاً منشغلون بمشكلاتهم الاقتصادية، وقد اعتادوا أن يكون هذا الدور لواشنطن وليس لهم.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية قد ظنّت لوهلة من الزمن أن باستطاعتها صرف النظر عن هزائمها في أوكرانيا بتحقيق انتصاراتٍ وهمية على حساب الصين، فإن كل هذه الأوهام يمكن أن تتحطّم على أسوار بكين، لأن إصرار الصين على منع هذا الإنجاز سيضيف هزيمة جديدة لواشنطن، وبالتالي ستتعرّض الإمبراطورية الأمريكية المتهالكة لهزيمتين متتاليتين من أكبر خصمين لها في العالم، ليكون ذلك بداية عالم جديد عنوانه روسيا والصين المنتصرتان في المعركتين الأخيرتين، فهل تتمكن واشنطن بالفعل من الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها؟..
الساعات القادمة ستكون حبلى بالمؤشرات على صاحب الكلمة في هذا العالم..