ذاتك أجمل بحصانتها الروحية
غالية خوجة
الوباء قبل أن يكون جسدياً مادياً يكون لا مرئياً في البداية، فيصيبُ الروح ثم النفس ليصل إلى الجسد، وهذه الأمراض متنوعة، منها مرض القهر المزمن، مرض القلب المكسور، مرض الظلم، مرض الاستقامة، مرض العدالة، مرض الضمير المدفون، مرض الضمير اليقظ، مرض الاحتراز، مرض التطنيش، مرض التطفيش، مرض النوم، مرض القلق، مرض الفعل الخبيث، مرض التآمر، مرض الفساد، مرض النفاق، مرض الأنا ومن بعدي الطوفان.
وتتكاثر الأمراض إلى ما لا نهاية وتعود جذورها إلى الروح ثم النفس ثم الجسم، لذلك، بإمكاننا اصطلاح الوباء الروحي، أو كورونا روحية على مجموعة الأمراض المزمنة التي تشوّه القيم البديهية الأزلية، مثل الصدق، الأمانة، الوفاء، الإيثار، الشهامة، الكرامة، التضحية، الانتماء، فإذا أصابت هذه الأمراض أغلبية أفراد المجتمع شكلت ظاهرة بنسبتها الكبيرة، وأصيب المجتمع بكورونا روحية لا بد من معالجتها كي لا تتفشى وتصبح أساساً وعرفاً، وتصبح القيم الأساسية نشازاً تغرد خارج السرب.
إن الفساد العامر يؤدي إلى الخراب العامر، وتطوير التخلف يؤدي إلى تخلّف التطوير، ولكي لا تفسد النفس، ولا تفسد الأسرة، ولا يفسد المجتمع، لا بدّ من تشذيب الذات لأننا كلنا راعٍ وكلّ راعٍ مسؤول عن رعيته، ولا يختلف اثنان على أن أول الرعية هي النفس والذات لتستهدي بالنور الجميل وتتخلص من الشوائب العالقة بروحها وضميرها وأعماقها، وتبحث عن تطوير الجمال الداخلي الذي لا يحتاج إلى “بوتوكس” وعمليات جراحية تجميلية، بقدر ما هو بحاجة إلى تشخيص ذاتي، لتصفية الذات من الشوائب وسوادها وغبارها وجراثيمها المؤقتة، والعابرة، والمستعصية.
ونثق بأن كلاً منا لو حاول لاستطاع أن يفعل ما بإمكانه لتهذيب ذاته وتطويرها، لتكون أجمل بلا كورونا روحية وأخلاقية ذاتية ومجتمعية، لأن الصدق أسهل من الكذب، والمحبة أجمل من الكراهية، والتعاون ممتع ومفيد أكثر من التفرد والتسلط، والمعرفة أفضل من الجهل، والتعلّم أجمل من الجهل، وتطوير الذات بالتأمل والتفكّر والفعل والتفاعل أفضل من التراوح والتراجع، وأجمل للحياة من التخلف الفردي والجمعي.
وبلا شك، عمران الذات يساهم في عمران المجتمع، وعمران المجتمع يساهم في عمران الزمان والمكان، وعمران الزمان والمكان يساهم في عمران الحضارة الإنسانية.
وليس بالضرورة أن يصبح فلان كفرد أو جهة أو مجتمع أفضل ليكون كلّ منا الأفضل، بل على كلّ منا أن يبحث عن ذاته الجميلة ليبدأ باستخراجها لتكون أفضل وأجمل، ولهذا طلبت منا الرسالات السماوية أن نعالج أمراضنا وعاهاتنا الباطنة، لنكون جميلين روحاً وخلُقاً وأدباً وأفعالاً وحضوراً وغياباً أبدياً، ولهذا كانت الصلوات دعاء ونهياً عن الفحشاء والمنكر، نهياً عن السواد الداخلي، ليشرق الضوء الداخلي، موقنين بأن ذكْر الله أكبر، وذلك عندما نذكره ونحن نتحدث، نكتب، نتحرك، نعمل، نتعامل، وتكون نفسنا علينا رقيباً، حسيباً، وهذا ما يجعلنا من المرتقين، البانين، الساعين في مناكبها، ونورنا في قلوبنا وأرواحنا وبين أيدينا.
لعلنا نسعى في سبيل أثر مضيء يبقى منا، فلا يعرف الفناء والتحلل والتحور والتهجين والإيذاء والظلم والقهر، فنحصّن أنفسنا من كل وباء وتخلف وجهل وفساد، لأن الحصانة الداخلية الذاتية هي الحصانة الحقيقية للذات والآخر والمجتمع والوطن والمستقبل.
الحصانة الروحية ضرورة في زمن الوباء الإلكتروني والكوروني والتحلل الذاتي والاجتماعي، الحصانة الروحية ضرورة لأنها حصانة أخلاقية تقوم على محبة الذات والآخر والوطن محبة جوهرية انتمائية وأصيلة من بديهيات هويتنا العربية، وهي بلا أنانية تقصدها موضة “محبة الذات” التي ترسّخ لوباء كوروني جديد!.