شعراء عرب.. الشّعر هو الشّعر
نجوى صليبه
على الرّغم من أنّ العالم صار قريةً صغيرةً ووسائل التّواصل الاجتماعي أصبحت متاحةً وبإمكان الجميع أن يتعرّف على الجميع، نتحدّث هنا عن الآداب عموماً والشّعر خصوصاً، لكن يبقى للقاء المباشر والتّواصل الحسّي هيبته وصدقه وفاعليته من حيث الإصغاء والإحساس بالكلمة وصوتها، ولعلّ هذا ما حققه اللقاء الشّعري الذي احتضنته مكتبة الأسد الوطنية مدّة يومين كنشاط مرافق لاجتماع المكتب الدّائم للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، إذ كان فرصةً لسماع القصيد القادم من مشرق الوطن العربي ومغربه.. القصيد الذي نسمع عنه ونقرأه ولكن في حالات قليلة نلتقيه، ولاسيّما بعد سنوات الحرب الطّويلة وسنوات ما سمّي بـ”الرّبيع العربي”.
الشّاعر العماني أشرف العاصمي أحد ضيوف هذا الاجتماع والمشاركين في اللقاء الشّعري يقول: استمتعت جدّاً بسماع بعض التّجارب الشّعرية العربية، فهناك القصيدة العمودية على مستوى قصيدة التّفعيلة والنّثر، أيضاً بعيداً عن كلّ هذه الأشكال استمعنا إلى بعض التّجارب التي تشتعل جذوة الشّعر فيها، أنا أحبّ أن أعيد الأشكال الكتابية إلى ماهية الشّعر الحقيقي، لأنّ شكل القصيدة يغوي الكثيرين ويحكمون عليها مسبقاً بأنّها تقليدية أو حديثة، لكن الاستماع إلى جذوة الشّعر الحقيقية هو في تصوّري ما يغرينا ويجعلنا ننتبه أكثر ونبتعد عن كلّ الأشكال الكتابية ونتّجه إلى الجوهر والمضمون، وهذا ما استمعنا إليه اليوم، فعلى مستوى القصيدة العمودية هناك من يشتغل اشتغالاً حقيقياً وبشكل يجعلها رشيقة ومطلعة ومثقّفة وفيها كلّ مكوّنات الشّعر الحقيقي من خيال وصورة شعرية وإيقاع داخلي متّزن وما إلى ذلك، لكن هناك بعض التّجارب التي نبرّر لها ونقول إنّ الشّاعر في هكذا مواقف يحاصر بالوقت فيخونه الاختيار، ومن خلال نصٍّ أو نصّين لا يمكننا الحكم على تجربة شعرية، لكن بالمجمل استمعنا في هذا المهرجان إلى تجارب شعرية واثقة، مضيفاً: التّنفس برئة عمود الشّعر مع الاشتغال على النّص يجعل الشّاعر أمام تحدٍّ حقيقيٍّ، وعلى أيّ حال.. الشّعر هو الشّعر إن ابتعدنا عن حوار الأشكال المتعدّدة واتّجهنا إلى مكنون القصيدة.
وعلى خلاف غيره من الشّعر، لا حضور قويّاً للشّعر العُماني في سورية، كما أنّ التّفاعل والتّبادل أو النّشاطات المشتركة غير موجودة للأسف، لذلك كان لابدّ من أن نطّلع على حاله من خلال أبنائه ومعرفة ما إذا كان يعاني ما يعانيه الشّعر في سورية من استسهال البعض، يوضح العاصمي: الشّعر العُماني ليس منفصلاً عن الشّعر العربي ولا يتجزأ منه، فهناك من يكتب القصيدة العمودية والتّفعيلة والنّثر، وهناك تجارب جيّدة وحقيقية أثبتت حضورها على مستوى الوطن العربي من خلال مشاركتها في المهرجانات، فكلّ شاعر لديه قصيدة جيّدة ومتوسطة وضعيفة، لكن بالعموم نحن سعيدون بوجود التّجارب الجيّدة التي سوّقت نفسها في المهرجانات العربية، وسنؤكّد هذا الأمر ونؤسّس لنشاط أكثر مع الاتّحادات العربية.
ومثل العماني، يغيب الشّعر الموريتاني أيضاً عن اهتماماتنا، يوضّح الشّاعر القاضي ولد محمد عينين عضو المكتب التّنفيذي في اتّحاد الكتّاب الموريتاني: لدينا شعراء كبار ومعروفون ولهم مكانتهم، لكن السّبب في عدم وصول صوتهم وشعرهم هو بعد المسافة، مبيناً: الحركة الشّعرية في سورية واضحة وظاهرة للعيان منذ العصور القديمة.. كلّها أسماء كبيرة قرأنا لها ودرسنا شعرها، وكنّا فيما سبق نرى فوارق بين الشّعر الموريتاني والسّوري، لكن في الوقت الرّاهن لا نرى ذلك لأنّ الفضاء أصبح مفتوحاً أمام الجميع.
ولأنّ الفضاء صار مفتوحاً ولأنّ اللغة ما تزال صلة الوصل بيننا على الرّغم ممّا تعانيه، يبقى الشّاعر سفير بلده وصلة الوصل بين الشّعوب من خلال تخييله ومفرداته النّابعة من بيئته ومن خلال رأيه الحر. تقول الشّاعرة الجزائرية فاتحة معمري عضو اتّحاد الكتاب الجزائري: على الشّاعر أن يقول كلمته وأن يكون حرّاً وألّا يقع في الأفخاخ التي تنصبُ له، لأنّنا في عصر صعب جدّاً ولاسيّما في ظلّ وجود ما يُسمّى “شراء الذّمم” لجهات ومؤسّسات، معينة حيث تشتري هذه الجهات شاعراً ما بمبلغ من المال وتكرّمه مقابل أن يقول ما تمليه عليه، أمّا إن كان الشّاعر حرّاً فتغلق أمامه كلّ النّوافذ والأبواب.. الشّاعر الحقيقي هو الذي يقول كلمته في هذا الوقت الحرج لأنّ عيون غربال التّاريخ واسعة.
وبالسّؤال عمّا إن كان الشّعراء أصحاب الكلمة الحق قلائل، وكما يقال يعدّون على أصابع اليد الواحدة في كلّ بلد، تجيب معمري: نعم للأسف الشّديد وسبب ذلك هو الخوف والحروب والاحتياج المادي الذي يدفع البعض للتوسّل لجهات معينة لترضى عليه ويبيع ضميره لها، وهذا امتحان للشّاعر مثل امتحانات كثيرة يعيشها على جميع الأصعدة ومن ضمنها الثّقافي الذي يعاني كثرة المنافقين، مضيفة: لديّ زملاء من سورية والأمر الجميل هو أنّ وسائل التّواصل متاحة أمامنا، والشّعر السّوري شعر راقٍ جداً.
ولا تحبّذ معمري التّصنيف في الأدب والشّعر، وبسؤالها عن الحضور النّسائي في المهرجانات الشّعرية العربية، تجيب: على الرّغم من أنّي لا أحبّ التّصنيف لكن الأدب النّسوي –عموماً- في الوطن العربي عانى زمناً طويلاً تضييق الخناق لأنّ الأدب ذكوري والأقلام النّسوية التي وصلتنا قليلة جدّاً، والأمر لم يكن موضوع كفاءة بل كان موضوع هل يسمح لها أم لا، حتّى النّساء كانت تكتب بلغة الذّكور لتزاحم هذا الفنّ الذي كان حكراً على الرّجال، واليوم هناك أقلام نسوية أثبتت حضورها حتّى في الفلسفة ونافست الرّجال في هذا المجال النّخبوي، وهناك أقلام نسوية تكتب الأدب عموماً والشّعر خصوصاً بمستوى عالٍ لكن البعض ينتقص من قيمته.
وبالسّؤال عن واقع النّقد الأدبي في الوطن العربي -ومن ضمنه الشّعري- يجيب الدّكتور طارق ثابت عضو الأمانة الوطنية لاتّحاد الكتّاب في الجزائر والأستاذ الجامعي اختصاص تحليل الخطاب والنّقد الأدبي: مشكلتنا في الوطن العربي وللأسف هي عدم وجود نقد أدبي يواكب الحركة الأدبية بشكلٍ جديّ.. ما نفعله هو استهلاك نظريات غربية جاهزة على نصوص عربية قد لا تقبل نظريات ما نزال نجترّها ولا نستطيع تأسيس غيرها تخصّنا.