دستور تونس الذي ترفضه أمريكا
علي اليوسف
صعّدت الولايات المتحدة من لهجتها ضد مشروع الدستور التونسي والتصويت عليه، وكأن واشنطن لا تريد لهذا الإنجاز أن ينجح كي تبقي على مهد ما يُسمّى “الربيع العربي” متقّداً لما يخطّط له قادماً. أسئلة كثيرة تطرح حول ماهيّة الموقف الأمريكي، إذ بدلاً من تشجيع هكذا خطوة بعد سنوات من الفوضى، نراها تطلق العنان لمسؤوليها للتشكيك بالدستور، وحتى بالمسار السياسي في تونس.
لكن من ينظر في خفايا التصريحات الأمريكية المعادية، يجد أنها تنسجم مع أصوات المعارضة الرافضة لأي إصلاحات، بمعنى إبقاء البلاد في اللا استقرار، وهو ما يخدم الأجندة الأمريكية على المدى المتوسط والبعيد. لذلك من الطبيعي أن تشهد العلاقات بين تونس والولايات المتحدة توتراً في الأيام القادمة بعد التصريحات الأمريكية، فهي من جهة تدخّلٌ سافرٌ في الشأن الداخلي، بل تعدٍّ على دولة مستقلة ذات سيادة، ومن جهة ثانية تأكيد على أن الولايات المتحدة لا تحترم المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي كمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هذا الموقف، إن استمر كذلك، فهذا يعني أن تونس بدأت في وضع أولى لبنات ثوابت سياستها الخارجية وفقاً لما تتطلبه العلاقات الدولية القائمة على المساواة، وتمسّكها بسيادتها الوطنية واستقلال قرارها، وترفض أي تشكيك في مسارها الديمقراطي الذي لا رجعة فيه، أو في خيارات شعبها وإرادته التي عبّر عنها من خلال صندوق الاقتراع وبشهادة المراقبين الدوليين.
وما يعزّز هذا الموقف، هو الإجماع على رفض التدخل الأمريكي، وحتى المطالبة بعدم قبول السفير الأمريكي الجديد في تونس، ما يعني بالضرورة أن هناك رفضاً للوصاية الأمريكية، ورفضاً لحملات التشكيك والتخوين التي تروّجُ لها أطراف داخلية عبر لجوئها المتكرّر للقوى الأجنبية والاستقواء بها، والتي كانت من الأسباب الرئيسية التي شرّعت التطاول على استقلالية قرار تونس وسيادة خياراتها.
صحيح أن تونس تحتاجُ الدعم الأمريكي، ولاسيما أمام الصناديق الدولية المانحة، إلا أن ذلك لا يعني القبول بالتدخل في شؤونها الداخلية، ولا يعني على الإطلاق أن العلاقات بين تونس وواشنطن ستتجه نحو الانهيار لاعتبارات تاريخية وجغرافية وسياسية، وحرص الأمريكيين على عدم انتقال تونس إلى محور آخر في سياق الصراعات القائمة بين القوى المتنافسة على النفوذ. لكن من الضروري أن تعي تونس الجديدة أن محيطها الذي يحمي وجودها هو المحيط العربي، وليس الأوروبي أو الأمريكي الذي لا يريد للمغرب العربي الاستقرار، ومن الضروري أن تتعلّم من الدرس بأن الولايات المتحدة لا يهمّها إلا مصالحها، خاصةً وأن التدخل الأخير في الشأن الداخلي لم يقتصر على التصريحات، بل تجاوزها إلى تنقل السفراء والقائمين بأعمال السفارات في كامل أرجاء البلاد دون رقيب، وهو ما كان مؤشراً في السابق على إشعال ما سُمّي “الربيع العربي”!.