“التنمية الريفية” تطمح لمأسسة المشاريع الأسرية وربط المنتج بالتصدير
دمشق – بشار محي الدين المحمد
بيّنت مديرة مديرية التنمية الريفية والأسرية في وزارة الزراعة رائدة أيوب في حديث مع الـ “البعث” أن المديرية، رغم حداثة إنشائها، تتابع الأهداف المشتركة لكل من مديرية المرأة الريفية، ومديرية المشاريع التنموية بعد أن تم دمجهما في إطار مشروع الإصلاح الإداري، وقد وضعت هذه المديرية أمام تحديات جديدة وغير مسبوقة بعد مرحلة نفض غبار الحرب، والحاجة للبدء بمشاريع التأهيل من كافة النواحي، والتخلص من كافة الآثار السلبية للحرب التي شملت الجميع، خاصة الريف وأسره، ووفقاً لايوب فقد تطلب ذلك تغيير خطط العمل التي كانت في معظمها إغاثية فيما سبق بعد رسم خارطة الطريق الزراعي من جديد، والتحول لاعتماد اللقاءات مع الأسر الريفية بشكل موسع، وعلى كامل الجغرافيا السورية لتكوين معطيات وبيانات ميدانية عن مشكلاتهم واحتياجاتهم، بحيث يتم ترتيبها وفق الأولويات لدراستها بالتعاون مع الخبراء بهدف معالجتها، واجتراح أفضل الحلول لها، كما أن هذه المديرية امتد عملها من الاهتمام بالمرأة الريفية إلى كل أفراد الأسرة الريفية لتحسين أوضاعها من كافة النواحي، وتمكين جميع أفرادها اقتصادياً واجتماعياً لتكون هذه الأسر شريكاً يعتمد عليه في تحقيق التنمية.
ووفقاً للمديرة تنطلق هذه المديرية بتنفيذ مجموعة من المشاريع، حيث انطلق منذ الشهر الرابع من العام الجاري برنامج القرى التنموية (معاً نبني حلماً) الهادف للوصول إلى قرى قادرة على تغيير واقعها من خلال إدارة مواردها الذاتية بالشكل الأمثل، ويتضمن المشروع شراكات مختلفة هي: الشراكة مع المجتمع المحلي، والشراكة مع الجهات الرسمية، إضافة للشراكة مع المنظمات الدولية، في حين يكون لوزارة الزراعة الدور في تحديد احتياجات هذه القرى ودراستها وفق منهجية علمية تنموية، والتنسيق بين عمل كافة الجهات المعنية المشاركة.
وأوضحت أيوب أن أول نموذج تنموي لهذه القرى كان في قرية قطرة الريحان بحماة، وكان التركيز الأهم ينصب على عنصر المجتمع المحلي كونه العامل الأبرز في إنجاح التجربة التي تطلب قناعة تامة منه بالمشرع من قبله، والفكرة الأساسية للمشروع هي أن تدير تلك القرى نفسها بنفسها، وتلغي فكرة الاتكالية على الدولة في تأمين معظم الاحتياجات، مؤكدة أن المشروع، رغم حداثته، أعطى مؤشرات جيدة، وكللت جميع مكوناته بانطلاقة مميزة، سواء في وحدة تصنيع، أو المزارع الأسرية، أو الهاضم الحيوي، وجملة من المشاريع الأسرية الأخرى التي تنفذ مع جهات متعددة كوزارة التربية، ومحافظة حماة فيما يتعلق بالأمور الخدمية، وما يتعلق بالثقافة يتم تنفيذه مع وزارة الثقافة، إضافة لمهمة التنسيق الموكلة لوزارة الزراعة.
وكشفت المديرة أنه حتى نهاية العام الحالي سيتم إطلاق قرية تنموية أو أكثر في كل محافظة كنموذج بعد أن تم تحديد حوالي خمس قرى مرشّحة من كل محافظة، وستعلن المديرية قريباً القرى التي سيتم تحديدها لإطلاق التجربة فيها.
تم تأسيس حوالي 30 وحدة تصنيع غذائي للأسر الريفية، والكلام لديوب، وتكمن أهمية هذه المشاريع في أنها مشاريع جماعية يستفيد منها جميع الأهالي والأسر العاملة في المشروع، مشيرة إلى أنه تم اختيار القرى التي لديها منتجات زراعية، يعقبها تصنيع زراعي تاريخي عريق مبني على الخبرة والتراكم، ففي ريف دمشق تنتشر صناعة المربيات، خاصة في منطقة قطنا التي عرفت عنها زراعة أشجار الفاكهة، أو قرية عرنة التي تشتهر بزراعة الكرز وإنتاج مربياته، أما في درعا فتنتشر زراعة البندورة، وتشتهر بصناعة دبس البندورة، أيضاً في الساحل تم إنشاء وحدات لتصنيع العصائر والألبان والأجبان وصابون الغار وصابون زيت الزيتون، كما تم إنشاء وحدة لتصنيع التين في حماة، إضافة لوحدة تصنيع الخل والمنتجات المشتقة من العنب في السويداء، وركّزت ديوب على أن تبنّي معيار المنتج الذي تشتهر به المنطقة أو القرية سيحقق العديد من الميزات والسمات التنافسية القوية للمنتج.
وترى المديرة أن وحدات التصنيع الأسرية تشكّل نوعاً من أنواع التدخل التنموي كونها تساعد على تلافي سلبيات المشاريع الفردية، حيث وفرت مشاريع التصنيع حاضنة للمشاريع عند عجز الفرد عن امتلاك رأس المال لبداية المشروع، أو مكان لمباشرة العمل بالمشروع، إضافة لتأمين التسويق الجماعي لمنتجاتها، والإقراض إن أمكن، والتدريب والتأهيل.
وأضافت أيوب: بلغ عدد صالات بيع منتجات الأسر الريفية 15 صالة في اللاذقية وحلب والقنيطرة ودمشق وعدد من المدن والمناطق، حيث تساهم الصالات أو الأسواق بترويج وعرض المنتج الريفي، وتحقيق أكبر قدر من القيمة المضافة من تسويقها، وكسر سلاسل الاحتكار بين المنتج والمستهلك من خلال تأمين المنتجات للراغبين بها بمواصفات عالية ودقيقة لجهة المنتج اليدوي البلدي، وعلى سبيل المثال مدينة دمشق هي مدينة حضرية بامتياز، وتفتقر للمنتج الريفي رغم حاجتها الكبيرة له في أرياف المحافظات الأخرى كالأجبان والألبان والمربيات وزيت الزيتون، إضافة للحرف والمهن اليدوية، كما تحقق تلك الصالات التبادل بالمنتجات بين المحافظات، فبعض المحافظات تشتهر بالنباتات الطبية أو العطرية، لكنها لا تملك منتجات الزيوت أو المربيات، فحققت الصالات تبادلاً بين المنتجات.
وأشارت أيوب إلى أن كثافة البيع تساعد هذه الأسر في تكثيف الإنتاج في العام التالي وبأقصر وقت، فعلى سبيل المثال بيع كمية كبيرة من موسم أسرة ريفية أو بيعه بالكامل في هذه الصالات سيشكّل حافزاً كبيراً للإنتاج للموسم الذي يليه، كما سيحقق مجموعة من الأهداف من ضمنها ربط المزارع أو الفلاح بأرضه، مع تحسين جودة المنتج، والمنافسة بين المنتجين بأشكال التغليف والنوعية والشكل، ما يزيد حركة وانسياب تلك المنتجات في الأسواق.
وحول تساؤلنا عند ورود شكاوى من بعض المنتجين بأن منتجات الأسر الريفية تعامل معاملة المواد مجهولة المصدر، والمخالفة من قبل دوريات مديريات حماية المستهلك، ولجهة تصريح وزير الصناعة زياد صباغ خلال لقائه مؤخراً مع وفد صناعي عماني باستبعاد فكرة تصدير المنتجات الريفية الأسرية إلى عمان كونها لا تطابق المواصفات المطلوبة للتصدير لتلك الأسواق، أجابت ديوب بأن المنتج يحمل لصاقة وماركة تحميه من أية مساءلة من قبل الجهات التموينية، مبدية استعدادها لتبنّي أية مواصفات مطلوبة ومطابقتها في حال وجود طلبيات لأية أسواق خارجية، كما نوّهت ديوب إلى أن المديرية تسعى حالياً لقوننة المنتج الأسري بشكل كامل مع مطابقته التامة لكافة المواصفات المطلوبة في الأسواق، أيضاً استطاعت الوزارة تكوين ماركة لهذه المنتجات (ماركة ريفية) تتمتع بحقوق الملكية من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ما يشكّل نقطة تقوية للمنتج الريفي، ويزيد من قدرته على التنافس كونه منتجاً يحظى بإشراف مباشر من وزارة الزراعة ما يمنحه المصداقية وثقة المواطن.
وأكدت أيوب أن المديرية تمضي قدماً بمشروع إعداد الاستراتيجيات، فبعد تغير معظم المؤشرات بما فيها الاجتماعية في ظل الحرب، وتغير المعالم الاقتصادية، فقد تغيرت الأرقام المستخدمة في إحصائيات ما قبل الأزمة ولم تعد صالحة للبناء عليها، ما فرض ضرورة إيجاد الرقم الإحصائي الجديد للبدء بإعداد الاستراتيجية من خلال المسح الميداني، وتحليل التقارير الموجودة المتعلقة بالأسر الريفية, وتجتهد وزارة الزراعة في الوقت الحالي بإعداد استراتيجية التنمية الريفية المجتمعية، واستراتيجية المرأة للوصول لقاعدة إحصائية، ورقم ومؤشر دقيق، ووضع خطط عمل ورؤى لعشر سنوات على الأقل، وربطها بخطط عمل تنفذ على الأرض.
وإضافة لذلك تقوم المديرية بإعداد خارطة مكانية بالتعاون مع مديرية الأراضي في الوزارة لتمركز وحدات التصنيع والصالات والأسواق والمشاريع قيد التنفيذ عليها، كما وقّعت الوزارة اتفاقية مع مؤسسة وثيقة وطن بهدف توثيق تلك المنتجات الغذائية أو المونة المنزلية ضمن الريف السوري التي تعود جذورها لمئات وربما آلاف السنين، وتوثيق تطور وطرق أدوات صناعة كل منتج بطريقة التوثيق الشفوي للمعلومات من قبل الأسر الريفية العاملة في إنتاج هذه المنتجات، والحفاظ على أصالة تلك المنتجات.
واختتمت المديرة بالقول: إن الوزارة تتابع خطواتها بالاعتماد على الريف والأسر الريفية في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، مع سعيها لوضع نظام إداري ومالي وتنظيمي للوحدات الريفية، وربطها بالأسواق المحلية، والوصول مستقبلاً لربط فائض إنتاجها بالتصدير.