محمد غنوم: الخط العربي فن تجريدي يحمل رسالة حضارية
خطاط محترف درسَ الخط العربي المقعّد ودرّسه، برع فيه، وأنشأ خطوطاً مميزة، فنان تشكيلي عاشق للون، يصنع اللوحة التشكيلية المميزة، ويصنع من الكلمة والحرف عالماً متكاملاً، الفنان التشكيلي السوري الدكتور محمد غنوم ظاهرة فنية وإبداعية لها خصوصيتها المميزة، حصل مؤخراً على جائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون لهذا العام، وبهذه المناسبة كان لـ “البعث” معه هذا الحوار.
ماذا يعني لك أن تكون مكرماً في بلدك؟.
التكريمُ في وطني يعني لي الكثير، ومنح جائزة الدولة التقديرية لعام 2022 وسام أضعه على صدري وهو الأغلى الذي قُدّم لي في حياتي.. يحمّلني ذلك مسؤولية كبيرة، على أن أقدّم الكثير وأن أبذل جهداً مضاعفاً، وأن أحمل رسالتي الفنية إلى آفاق أوسع وإلى بلدان أكثر في العالم، على الرغم من أنني طفت العالم وقدّمت أكثر من سبعين معرضاً. أشعر بالفخر والاعتزاز بأنني من وطن الجمال الذي يثبت للعالم أجمع أن الجمال هو الذي ينتصر دائماً على الرغم من كل الظروف الصعبة التي يمرّ بها الوطن.
منح جائزة الدولة للفنون التشكيلية واختيار فنان أنتج لوحة خطية تنتمي لفن تراثي.. ماذا يعني حين يكون هذا الفن من اهتمام الدولة وكيف يرى غنوم أهمية هذا الفن؟
التكريم في بلدي يعني لي الكثير، يعني أيضاً أن الوطن الذي يعيش في ظروف صعبة، وطن الجمال، يقدم على أن الجمال هو المنتصر، أشعر بالفخر والاعتزاز عندما يمنحني الوطن هذه الجائزة والسعادة الغامرة تملأ كياني، وتثبت للعالم أن وطن الجمال سورية على الرغم من كلّ المحن لا يمكنه أن يغفل دوره الحضاري في تقديم التقدير للإبداع والمبدعين، أحمدُ الله أن رسالتي التي بدأت في 1979 وصلت إلى أكبر عدد من أبناء وطني وقدّمت لهم الجمال والسعادة.
الجائزة تعني لي أنني أسيرُ في الطريق الصحيح، الطريق العروبي الأصيل لأن فن الخط العربي هو فن عربي بامتياز، وأنا أقول باستمرار قد يكون هو الفن الأنقى بين الفنون العربية البصرية لأنه قدّم للعالم الكثير ولم يأخذ منه إلا القليل، لذلك عندما انتهجت هذا الطريق وسرت به كنت أثق أنني أسير في الطريق الصحيح، لأن هذا التراث تراثنا الجميل، وتراث متجدّد، وليس تراثاً في الماضي ويقبع على الأوابد والقبور، وإنما يتقدم ويعيش هموم وقضايا العصر ويقدم الجمال ثم الجمال ثم الجمال، لأن اللوحات الخطية لهذه الموسيقا العذبة التي تعزفها الحروف، وهذا العناق وهذا الصعود وهذا الهبوط وهذا الالتفاف، وكلّ هذه التكوينات الجميلة التي تنتج عن اللوحات الخطية تثبت للعالم أننا في فن الخط العربي أصحاب حضارة وتراث وأصالة، كلّ ذلك من خلال الخط والمدارس والأشكال الكثيرة التي ساهم فيها فنانو مبدعون ووضعوا القواعد والأسس منذ عصر ابن مقلة، واليوم هذه التجربة التي أخوضها تسير في الاتجاه الصحيح، لأن أبناء وطني طلبوا لها وحققت نجاحاً جماهيرياً لأنها ابنتهم المطيعة والبارة بهم، لأنها وفية وجزء من هويتنا البصرية إن لم نقل إنها الهوية التي أعطت فننا العربي خصوصيته، لذلك هذه الجائزة التي منحت للفن واختيار هذه التجربة عليها هي شجاعة ما بعدها شجاعة وهي تقدير لفن أصيل يعطي العالم الإدهاش والسعادة، ويثبت أيضاً أننا كنا وسنبقى صنّاع الحضارة.
كيف ندفع بفنوننا المحلية نحو المواقع العالمية؟
بصراحة كلما أغرقنا في محليتنا كلما كنّا أصلاء أكثر، وكلما كنّا أصلاء أكثر احترمنا العالم أجمع، الفنون التي تقلّد الفنون الأخرى لا يمكن أن تقف في المكان الذي تقف فيه الفنون الأصيلة، نحن في فن الخط العربي عندما نقدمه للعالم فإنه إغراق في محليتنا، لكنه يحترم من قبل المواقع والعالم أجمع، الفنون لا تحتاج إلى دفة لتحتل المواقع العالمية، وإنما تحتاج إلى أن تكون صادقة وأصيلة وشجاعة وتقدم هويتها ولا تقلد، وهذا لا يعني أنني لست مطلعاً ولا أحترم الفنون الأخرى، فأنا كنت في بلدان كثيرة واحترمت كلّ الفنون وهي مهمة للاطلاع والتذوق، ولكننا أيضاً في فننا العربي أكثر قرباً من باقي فنون العالم.
ما أهمية فن الخط العربي بين الفنون العالمية؟
أضيف أن فن الخط العربي هو فن بامتياز، فن تجريدي إذا أدرج بين المدارس الفنية، هو أيضاً انعكاس لفلسفة الإنسان العربي الذي يميل نحو التجريد ولا يميل نحو التشخيص، وهناك مغالطة يروّجها الغرب على أننا ضعاف في الفن التشخيصي أو أنه محرّم، وبالواقع ليس هناك تحريم، لكن الإنسان العربي يميل بطبيعته نحو التجريد وهذا جزء من فلسفته، وعندما نقول يحمل الفن الخط ويسير به خطوات إلى الأمام ويدهش العالم بأنواع الخطوط، وهي كانت قبل ابن مقلة وساهم العرب وغيرهم في هذه المدارس من فرس وترك وكلهم قدموا مدارس خطية جميلة ومهمة جداً تعرف أهمية هذا الفن، ودليلي على ذلك المعارض التي تُقام في دول العالم ليست للعرب، وهي ناجحة لأنها تدرك أن فن الخط العربي هو من فنون العالم البصرية التي تحمل هوية خاصة تعبّر عن ملامح الإنسان العربي بامتياز، وهذا الفن هو الأنقى ووقف مع الفنون الأخرى في العالم بشموخ واحتلّ مكاناً مرموقاً.
كيف ترى حركة التجديد في فن الخط العربي؟
فن الخط العربي هو فن من نتاج الإنسان العربي المبدع، لا يقف عند حدود وليس كما يدّعي بعض الخطاطين أنه وصل درجة الكمال ولا يمكن تطويره، هذا الكلام غير صحيح، إنما هو فن من نتاج الإنسان ويسير مع تقدمه واطلاعه وحمله رسالته الحضارية، التجديد في الخط العربي هو حركة لا يمكن أن تقف عند حدود، ولا أدّعي أن هذه التجارب التي يطلق عليها “الحروفية” –وهذا المصطلح غير دقيق ومأخوذ من الغرب- مثلاً التشكيل في الخط وإدخال الألوان أليس هو خطوة لم تكن في الماضي؟ ألم يكن يغلب على كتابته اللونان الأسود والأبيض، بينما في تجربتي هناك الألوان ودرجات الألوان كافة وليس هناك أي وجل أو خوف، على العكس أعطت نجاحاً باهراً، لذلك أؤكد أن فن الخط العربي فن مستمر ومتجدّد.
*هل يحتمل فن الخط العربي حمولات الفن المعاصر؟.
نعم وبكل ثقة لأننا نستطيع أن نعبّر عن هموم العصر، أليست هذه اللوحات التي تحمل عناوين وشعراً تخاطب المشاهد العربي وغير العربي، تخاطبه بحمولات وهموم في منتهى الحداثة؟ من دون أدنى شك يحتمل حمولات الفن المعاصر ويقف في مقدمة الفنون.
جمان بركات