بين تنامي قدرة المقاومة وتآكل مفهوم الردع “الإسرائيلي”
تقرير إخباري
يعيش كيان الاحتلال الإسرائيلي اليوم رعباً واضحاً، كما تقر وسائل إعلام العدو، خشية من تصعيد في جنوب فلسطين المحتلة وخاصة في محيط قطاع غزة المحاصر، بعد اعتقال مسؤول الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية من مخيم جنين بسام السعدي.
هذه الخشية، التي أصبحت ملازمة للكيان وقادته، عقب أيّ تحرّك أو عملية عسكرية تستفزّ فصائل المقاومة الفلسطينية، لم تكن في الماضي تصيب قادة الاحتلال على اعتبار أن الجيش الإسرائيلي كان يدّعي أنه القوة المهيمنة وله اليد الطولى في فلسطين وخارجها، ولكن حدث تغيّر كبير بسبب مراكمة المقاومة لأسباب القوة وتراكم الخبرات نتيجة المعركة الطويلة مع الاحتلال، ودعم دول محور المقاومة لصمود الشعب الفلسطيني وإمدادهم بما يلزم وصولاً إلى الأسلحة النوعية وخبرات التصنيع في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة.
وبالعودة إلى الاعتقال، كانت وحدات خاصة تابعة للاحتلال الإسرائيلي، اقتحمت يوم الاثنين منزل السعدي واعتقلته مع صهره في منزله في مخيم جنين، بعد الاعتداء عليهما واقتيادهما إلى جهة مجهولة، بينما أفاد مستشفى “ابن سينا” في جنين بأن زوجة السعدي نُقلت إلى قسم الطوارئ بعدما ضربها جنود الاحتلال خلال اعتقالهم زوجها.
وحذرت فصائل المقاومة الفلسطينية الاحتلال من المساس بحياة السعدي، معلنة الاستنفار ورفع الجاهزية لدى الوحدات القتالية العاملة، ولاسيما أن الدماء في منزل الشيخ السعدي تؤكد إصابته قبل اختطافه، وأطلقت الفصائل حملة تضامن واسعة مع السعدي، مؤكدة أنه مثال يحتذى به في “التضحية والجهاد”، معلنة أنها “لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام اعتداءات الاحتلال”.
في المقلب الآخر، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية حالة الرعب التي تعيشها مؤسسة الجيش الإسرائيلي وقادة المؤسسة الأمنية في انتظار ردّ فعل المقاومة، وخصوصاً أن تداعيات معركة سيف القدس التي انطلقت في الـ10 من أيار وامتدت إلى الـ21 منه عام 2021 وكانت نقطة تحوّل استراتيجية تمثلت في وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات، الذي هبّ في وجه الاحتلال في آن واحد.
وفي مقال لمراسل ومحلل الشؤون العسكرية لموقع معاريف الإسرائيلي، طال ليف رام، تحت عنوان “تآكل الردع”، علّق الموقع على اعتقال السعدي، وما تلاه من توترات، بالقول: إنّ هذا الأمر “نجح مرة أخرى في جباية ثمنٍ من إسرائيل، حتى قبل إخراج الهجوم إلى حيز التنفيذ”.
أما موقع “والاه نيوز” الإسرائيلي، فقد أشار إلى أن المستوطنين استيقظوا، صباح اليوم الأربعاء، في غلاف قطاع غزة، على يومٍ إضافي من الاستنفار الأمني، خشية هجومٍ انتقامي بعد اعتقال، بسام السعدي، مسؤول الجهاد الإسلامي في جنين.
بدوره، قال المعلّق الإسرائيلي في “القناة الـ13″، أور هيلر: إنّ “السيناريو الذي يستعدّون له في الجنوب هو عملية إطلاق صواريخ ضد الدروع، (مثل) صاروخ كورنيت الذي يبلغ مداه 5.5 كلم”.
وأضاف: “نحن نرى الجيش الإسرائيلي يخفض رأسه من أجل توقّي هجوم من جانب الجهاد الإسلامي، وهذا التوتر سيرافقنا في الأيام القريبة المقبلة”.
تآكل الردع الإسرائيلي في داخل فلسطين المحتلة يوازيه تآكل آخر على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وذلك أيضاً حسب الإعلام الإسرائيلي، الذي نقل تصريحاتٍ لمسؤول إسرائيلي كبير في قطاع الغاز، وصف “اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تتبلور مع لبنان”، بأنها “استسلامٌ كامل من جانب إسرائيل”.
وقال الإعلام الإسرائيلي: إنّ “الاتفاقية، التي تتبلور الآن، هي استسلامٌ كامل للبنان من جانب رئيس حكومة الاحتلال، يائير لابيد، ووزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس”، لافتةً إلى أنّ “خضوع إسرائيل انتصارٌ كبير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله”، وأضافت: إنّه “إذا أجرت إسرائيل مثل هذه المفاوضات بشأن قضايا أخرى أيضاً، فهذا أمرٌ مقلق للغاية”.
كذلك تحدّث موقع “يديعوت أحرونوت”، عن وجود تفاؤل لدى الاحتلال بشأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قائلاً: “في إسرائيل هم متفائلون أيضاً. على الجدول: من جانب، تهديدات السيد نصر الله بأنه سيبدأ الحرب إذا لم تتمّ المحافظة على حقوق لبنان. ومن جانب آخر، إسرائيل التي تضغط على الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق قبل بدء استخراج الغاز من حقل كاريش، في الفصل الأخير من هذا العام”.
بناءً عليه، وعلى ما ورد نقلاً عن مسؤولي الاحتلال وقادته وإعلامه، يتبيّن أن الردع الذي كان يتغنى به الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني في الداخل، وتجاه جيران فلسطين المحتلة، تآكل، وأصبح هناك توازن قوى جديد في المنطقة لن تغيّره عنتريات فارغة لا تجد صدى لها سوى في عقول المسؤولين الإسرائيليين، أو في خيالات أعراب رضعوا الذل وارتضوه خياراً، وسعوا لما سمّوه تطبيعاً، وفي الحقيقة هو اتفاقيات استسلام لم ينالوا ولم تنل الأمة العربية والشعب الفلسطيني منها خيراً.
إذاً، لا بديل للجميع عن المقاومة، وتعزيز أسباب القوة، ووحدة الجبهات في الشمال والجنوب وداخل فلسطين المحتلة، وهو ما أكده قادة محور المقاومة دائماً، الأمر الذي سيعجّل بعودة الحقوق العربية السليبة، ووضع العرب على خريطة التوازنات الإقليمية والعالمية، التي تشهد تراجعاً لسيادة أمريكا على العالم، والتحوّل إلى نظام عالمي متعدّد الأقطاب.
إبراهيم مرهج