ورشات إعداد ممثل مسرحي.. أهداف وآليات ونتاج
البعث الأسبوعية- نجوى صليبه
في ستينيات القرن الماضي تحوّلت بعض صالات السّينما في سورية إلى صالات للمسرح، وبعدها تأسس المسرح القومي وتلاه العمالي والجامعي والعسكري ومسارح المراكز الثّقافيّة، ويتحدّث مسرحيون عن دور المسرح العمّالي في سبعينياته ولاسيّما من حيث رفد المسرح بالكوادر من ممثلين ومخرجين وفنيين صاروا نجوم الدّراما والسّينما لاحقاً، ليأخذ المعهد العالي للفنون المسرحيّة بعد تأسيسه هذا الدّور ـويتفرّد به- في تعليم وتخريج دفعات من الممثّلين والممثّلات الذين أثروا المسرح السّوري من دون الاستعانة بورشات “إعداد ممثل مسرحي” كالتي ظهرت في السّنوات الأخيرة واستمرّت في الانتشار من دون رقيب أو تحديد معايير أو شروط أو حتّى الالتزام بتكلفة محددة وهي في الغالب تكلفة لا تذكر في الإعلانات التي “تطرش” صفحات التّواصل الاجتماعي –غالباً- قبل فترة قصيرة تسبق فترة التّقديم إلى المعهد العالي للفنون المسرحية تحت عناوين مختلفة منها “ورشة العمل الخاصّة بالمتقدّمين للمعهد العالي للفنون المسرحية” بينما يحدد بعض المشرفين عليها عناوينهم أكثر لتكون من شاكلة “ورشة إعداد ممثل مسرحي”، وإن تحدّثنا عن المشرفين سنجدهم مختلفي الخبرات والتّجارب فبعضهم أكاديمي ومسرحي ويدرّس في المعهد، وبعضهم ليس أكاديمياً بل خضع لدورات وورشات مشابهة للتي يقيمها اليوم، والبعض الآخر ممثل تلفزيوني أو مسرحي “كومبارس” غير أهل لهكذا مسؤولية.
زينب ديب شابة من شباب كثر اتّبعوا هكذا ورشات إضافةً إلى عملها في مسرح الدّمى، تحدّثنا عن هذه التّجربة وعمّا إذا خدمتها في أعمال أخرى غير العرض الذي تختتم به الورشة، تقول: لا شكّ أنّ الاحتكاك بمجموعة من الفنّانين والموهوبين ووجود مشرفين ذوي خبرة لا بدّ أن يُكسب من يودّ التعلّم ويطوّر موهبته خبرةً وصقلاً، وهذا يتحقق عند من يمتلك الموهبة أساساً، فمن لا يمتلك موهبة ومن لم يتعب على نفسه ويراكم خبراته لا يمكنه الاستفادة من أيّ تجربة أو ورشة أو اجتماع مهما كانت قدرات المشرفين والمتعاونين، موضّحةً: في الواقع لم تساعدني هذه الورشات على المشاركة في أعمال أخرى مع من نفّذت معهم هذه الورشة أو تلك، ذاك أنّنا فرديّون وكلّ يذهب في حال سبيله فور انتهاء العمل، فلا روح جماعيّة في العمل، وكلّ يبحث عن فرصته الخاصّة ولا يفكّر بغيره، مع الأسف الشّديد طبعاً.
تستمر هذه الورشات ـفي غالبيتهاـ شهراً أو شهرين، وهي مدّة غير كافية لإعداد ممثل مسرحي كما أنّها لا تتمتع بالاستمرارية، أي كلّ عام هناك ورشة لطلّاب جدد، تقول ديب: لا يمكن للورشة أن تعدّ ممثّلاً، بل رفده بالخبرة وصقله، ولو أنّ من يشتركون بورشة ما يتابعون التّعاون بأعمال أخرى لكان لدينا فرق مسرحيّة كثيرة في البلد ولكان أساس هذه الفرق هي الورشات التي اجتمعوا فيها أوّل مرّة، مضيفةً: لا تكفي ورشة ولا ورشات شهريّة أو سنويّة لتثمير عمل فنّيّ، فما الفائدة منها إن لم تكن قد أحدثت الانسجام وتبادل الخبرات بين الفريق ذاته عبر مجموعة من الأعمال ليستطيع أفراده الانتقال إلى الاحتكاك بفريق آخر؟
وتتابع ديب: لقد شاركت بورشة أقامتها مديريّة المسارح والموسيقا في وزارة الثّقافة بإشراف الرّاحل الدّكتور محمد قارصلي والفنّان زيد الظّريف، وكانت مكثّفة إلى أبعد حدّ، ولم يقصّر الفنّانان في تقديم كلّ ما استطاعا تقديمه خلال الورشة التي استمرّت أربعين يوماً والتي خرجت منها وكأنّني قد اجتزت مجموعة من الامتحانات والاختبارات الأكاديميّة وحصّلت تحصيلاً علميّاً وعمليّاً لا يوصف، لقد أنجزنا خمسة عروض خلال هذه المدّة القصيرة وكانت ناجحة بشكل كبير، لكنّني أعيد تأكيد فكرة عدم الاستمرار والانقطاع والتّباعد الزّمني الكبير بين كلّ ورشة وأخرى.
بدوره، يتحدّث حسام غزيل عن خضوعه لتلك الورشات في بداياته المسرحية، ومن ثمّ عمله كمدرّب ومشرف في ورشات أخرى منذ عام 2014 كالتي أقامها مشروع “بكرا النا” و”جمعية نور” و”جمعية الأحمدية” إضافةً إلى دورات مع وزارة الثّقافة والتّربية، يقول: في بدايتي خضعت لدورات في المسرح الجامعي وفيما بعد مع وزارة الثّقافة وأكثر من جهة، وتراكمت الخبرات والتّجارب الشّخصية في التّأليف والإخراج وتدريب الشّباب مع القراءات، المسرح فنّ متجدد وعلى الإنسان دائماً أن يمرّن خبراته ويشتغل عليها بشكل أكبر، مضيفاً: نحن لا نحتكر المعرفة ولا ندّعي المعرفة ولا نقول إنّنا الأفضل كما أنّ هذه الدّورات ليست آلة تخلق ممثلاً بل هي عبارة عن تسليط الضّوء على موهبة موجودة ضمن المتاح، كلّ شخص يضع نقاطاً أساسية يشتغل عليها في التّدريب وكلّما تطوّرت خبرته يطوّر أعماله التي يشتغل عليها، المدّة غير كافية لكن هي إضاءة على موهبة أو شيء يحاول شخص اكتشافه في ذاته ومعرفة قدراته إن كانت تؤهله لأن يكون في هذا المجال أم لا؟ البعض يأتينا أوّل مرّة يمثّل ولديه فطرة ومع بعض “الرّتوش” يقطع مراحل لا يصل إليها من يتدرّب منذ سنوات وهذا يعتمد على مخزونه الثّقافي والعاطفي والسّلكوي وقدرته على التّفاهم والتّفاعل واكتشاف إمكانياته في خلق رؤى مختلفة للفنّ والمسرح، بالتّأكيد دراسة أربع سنوات لا تختصر بسنتين فحتّى خريجي المعهد يسافرون ويكملون دراساتهم ويتبحّرون في هذا المجال أكثر.
إذاً.. إن كانت المدّة غير كافية والاستمرارية المرجوة غير متوافرة، ما أهمية هذه الورشات؟ يجيب المسرحي جوان جان: المتابع للحركة الفنية في سورية والحركة الدّرامية بالتّحديد يلمس الحاجة المتزايدة لتأهيل أجيال جديدة من الفنانين ممّن يمتلكون موهبة حقيقية لكنّهم غير قادرين على توجيهها بالاتّجاه الصّحيح لظروف خاصّة بهم، فإمّا أن يكونوا بعيدين في مناطق سكنهم عن العاصمة وبالتّالي لا مجال لانخراطهم بشكل مباشر في الحركة الفنّية، أو أنّ قطار الانتساب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية قد فاتهم، أو أنّهم لم يصادفوا المخرج الذي بإمكانه الأخذ بيدهم وإبراز مواهبهم، فلا يكون من سبيل أمامهم سوى الانتساب إلى دورات تأهيل وتدريب مسرحي يتمّ الإعلان عنها بين الحين والآخر، ومن حيث المبدأ فإنّ هذه الدّورات ضرورية على صعيد استيعاب الأعداد المتزايدة من الرّاغبين في دخول عالم الفنّ الواسع، على ألّا يتحول الموضوع إلى شكلٍ من أشكال الفوضى واستغلال شغف هواة الفنّ لأهداف مادية بحتة.. ومن خلال متابعتي غير المباشرة لأخبار هذه الدّورات ألمس الجهود المبذولة لإنجاحها، ولاسيّما أنّ القائمين عليها إمّا من الأكاديميين خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بأقسامه المتعددة، أو من المخضرمين في مجال العمل الفني والمسرحي تحديداً ممن اكتسبوا خلال مشوارهم الطّويل العديد من المهارات التي يقومون بدورهم بنقلها إلى الأجيال الأحدث، ولا شكّ أنّ مديرية المسارح والموسيقا تقوم بدور رائد في هذا المجال من خلال الدّورات التي تقيمها في مختلف أنواع الإعداد والتّأهيل المسرحي، وهي الدّورات الأكثر ضماناً للخروج بنتائج جيّدة وتحقيق الفائدة المرجوة بالنّسبة إلى المنتسبين إليها.
وبالسّؤال عن الورشات التي تقيمها مديرية المسارح والموسيقا، يجيب مديرها عماد جلول: نقيم ورشات إعداد مسرحي تقريباً بشكلٍ سنوي، سبق وأقمنا ورشات مع المخرج مأمون الخطيب وعروة العربي ومحمد قارصلي مرّتين في دمشق وفي الحسكة إسماعيل خلف وفي حلب أيضاً، لكن هذه الورشات لا تتزامن مع فترة القبول للمعهد العالي، الورشة ليست معهد تأهيلي مستمر هي فقط نشاط موازٍ لعمل المديرية لاستقطاب هؤلاء الشّباب وفق آلية ومعايير قبول، وهي مجانيةً مائة بالمائة ولا نتقاضى أي رسوم من أيّ متدرّب، بل على العكس ندفع لنحصل على المستلزمات النّاقصة من ديكورات وأزياء قد لا تتوافر في المستودعات، ونتاجها يكون عمل مسرحي للمتدربين الذين يشاركون معنا في أعمال أخرى أحياناً، وهو نتاج مهم وله أثر إيجابي عليهم، وهناك ورشات كان نتاجها جيّد جدّاً لذلك أعدنا عرضه مرّة أخرى.
وبالسّؤال عن آلية عمل هذه الورشات، يوضّح جلول: الباب مفتوح أمام الجميع ولا يوجد أي شروط للمتقدمين، نعلن عن الورشة قبل شهرين، نحن لا نقول لأحد أن يشارك أو لا.. المتدرّب الذي شارك بورشة يمكنه أن يتابع بالتّالية وهذا يعود إليه، البعض يكتفي بورشة واحدة، مبيناً: تستمر الورشة شهراً أو شهراً ونصف حسب المخرج ومساعديه.
وبالسّؤال عمّا إذا كان الهدف من هذه الورشات هو تنمية المواهب فقط أم رفد الحركة المسرحية بممثلين جدد، يجيب جلول: بالتّأكيد إن استطعنا تنمية هذه المواهب ستكون رافدة للحركة المسرحية، وكما ذكرت هناك من شارك في أعمال مسرحية تابعة للمديرية، والبعض شارك بأعمال مسرحية خاصّة، والبعض الآخر تكون الورشة لديهم مثل نزوة.