أمريكا تلحق الضرر بنفسها
عناية ناصر
تواجه الولايات المتحدة تحديات خارجية، بما في ذلك الصراع بين روسيا وأوكرانيا، والعلاقات غير المستقرة مع الصين في ظل المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة، وعليها أن تتعامل مع المشكلات الداخلية مثل موجة جديدة من عودة ظهور كوفيد-19، والتضخم المرتفع وخطر الركود. بمعنى أن الولايات المتحدة هي الآن بالفعل في وضع “يمكن أن يشتعل في أية لحظة”.
وفي ظلّ الفصل بين السلطات، تقوم المحكمة العليا ومجلس النواب بعمل معاكس، وبالنظر إلى احتمال أن يخسر الديمقراطيون انتخابات التجديد النصفي، فمن المحتمل ألا تكون نانسي بيلوسي التي تبلغ من العمر 82 عاماً رئيساً لمجلس النواب، حيث ستحال إلى التقاعد، فلماذا اختارت القيام بزيارة إلى جزيرة تايوان بهذه الخطوة المتهورة؟.
لقد وصل الصراع الروسي الأوكراني المستمر إلى لحظة حرجة، وبصرف النظر عن ارتفاع الأسعار، وتباطؤ الاقتصاد في أوروبا والولايات المتحدة، تواجه دول نامية أخرى أزمة بقاء أساسية، حيث كانت سريلانكا، التي أعلنت إفلاسها، هي الأولى في هذا السياق، فهل تحاول بيلوسي تحويل الانتباه عن الحرب الروسية الأوكرانية باختيارها هذه اللحظة لاستفزاز المصالح الأساسية للصين؟.
من منظور الهيكل المؤسسي، فإن الولايات المتحدة هي واحدة من الدول القليلة التي تطبق فصل السلطات، كما أن السلطتين القضائية والتشريعية لا تنظران في الوضع العام، ناهيك عن المنظور الدولي، لذا يمكن القول إن هذه مشكلة في جينات التصميم المؤسسي.
وفي هذا السياق، تواجه الولايات المتحدة اليوم أكثر أوضاعها الداخلية انقساماً منذ الحرب الأهلية، وهذا الانقسام ليس هو التنافس التقليدي بين الحزب الحاكم ونظيره المعارض فقط، ولكنه يحدث أيضاً داخل الأحزاب نفسها، فانتقال السلطة بين الإدارات هو جوهر النظام الأمريكي. عندما ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبول نتائج الانتخابات، ولم يشارك في مراسم تسليم السلطة لخلفه، بل قام أيضاً بتحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول هيل. وفي المقابل هناك أيضاً كثيرون داخل الحزب الجمهوري يختلفون علناً مع ترامب، حيث لم يصوت الرؤساء الجمهوريون السابقون أمثال جورج بوش الأب، وابنه جورج دبليو بوش لترامب في عام 2016.
وعلى الرغم من أن النظام الأمريكي لا يزال بإمكانه استيعاب فئات مختلفة، إلا أنه لا يمكنه معالجة التناقضات فيما بينها، أو حتى تلك الموجودة داخل الطبقة نفسها، ولذلك نشهد حادثة تلو الأخرى تلحق فيها الولايات المتحدة الضرر بنفسها أو تعرّض الآخرين للخطر، وخير مثال هو زيارة بيلوسي إلى تايوان رغم كل التحذيرات الداخلية!.