زيارة تايوان لم تكن قراراً أحادياً
ريا خوري
لم تكن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان نتيجة قرار أحادي، بل هي قرار غير معلن من الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب والذي يدعو إلى التشدّد أكثر تجاه الصين.
وبغضّ النظر عن النتائج السلبية لتلك الزيارة، فقد تمّ التخطيط لها بعناية فائقة ودراية بانعكاساتها السلبية والإيجابية، وهو ما يظهر جلياً من عدم إدراجها في جدول الأعمال المعلن في السياسة الخارجية الأمريكية، أي الإبقاء عليها ضمن دائرة “الغموض الاستراتيجي” حتى اللحظة الأخيرة التي حطّت فيها طائرة بيلوسي.
وسواء كان ذلك من منهج سياسة “الغموض الاستراتيجي” حيال تايوان، أو ترجمة عملية لما بات يعرف بـ”سياسة حافة الهاوية”، فإنه مما لا شك فيه سيضع الكثير من القواعد الجديدة لحالة الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والصين حول جزيرة تايوان، وبحر الصين الجنوبي. وبحسب الكثير من المحللين، فإن التحذيرات المتواصلة والتهديدات العسكرية لن تصل في هذه المرحلة إلى إشعال حرب مع الولايات المتحدة، ولكن قد يأخذ الصراع أشكالاً أخرى متعدّدة مثل محاصرة الجزيرة، وفرض عقوبات صارمة عليها. ومن المحتمل أن تتطور الأمور فيما بعد لتصل إلى بدء شكل جديد من أشكال الحرب الاقتصادية الجديدة بين أكبر عملاقين اقتصاديين في العالم الصين والولايات المتحدة، وقد تقوم الصين بسحب جزء مهمّ من استثماراتها في الولايات المتحدة.
لكن على الجانب الآخر، هناك من يرى الأمور ومجرياتها بصورة مغايرة، فمع إدراك الولايات المتحدة أن العالم الآن لا يحتمل حرباً جديدة على غرار ما يجري في أوكرانيا، إلا أنها كانت بحاجة إلى نوع من الحراك لتحقيق هذا النوع من المغامرة، لأسباب تخصّ الداخل والخارج الأمريكي، فمن جهة كانت تدرك أن أحداً لا يريد أن تنشب الحرب، وأن المسألة لا تتعلق فقط بما يتمّ تسميته تأكيد التزام الولايات المتحدة بدعم الديمقراطيات والحلفاء في جنوب شرق آسيا، وإنما في توظيف هذه الزيارة لتحقيق إنجاز ما هي بأمسّ الحاجة إليه مع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية.
في هذا السياق، هناك مستويان لرؤية هذه الإجراءات وتلك الإنجازات: الأول يتعلق بصورة إدارة الرئيس جو بايدن الحالية التي يشوبها الضعف والترهل والتردّد في نظر العالم، وخاصة بعد انسحابها من أفغانستان السريع والمذلّ، وعجزها الواضح عن المواجهة المباشرة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفشلها في تحقيق وعودها للعديد من دول العالم وتخليها عن حلفائها في اللحظات الحاسمة؛ أما المستوى الثاني فيتعلق برئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، التي ترجح التقديرات والتسريبات انتهاء رئاستها لمجلس النواب، مع عودة الجمهوريين للسيطرة على مجلسي الكونغرس والشيوخ، وبالتالي يمكن القول بأنها تختتم ولايتها بإنجاز تاريخي ربما يخلدها في ذاكرة الديمقراطيين الأمريكيين.
ومن هنا ومن خلال تلك المعطيات لا يمكن اعتبار زيارة بيلوسي إلى تايوان مجرد زيارة عفوية، أو تعبيراً عن الصداقة والسلام بين البلدين، كما قالت، بقدر ما كانت تستهدف تحقيق إنجاز أمريكي كبير يواكب توقيت الإعلان عن قتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، حتى وإن كان الشعب الذي يعيش في تايوان هو من سيدفع ثمن هذه السياسات المتهورة واللا مسؤولة في نهاية الأمر.