قراءة في مجموعة “دقائق قبل الإعدام” للقاصة طيف أحمد يوسف
مجموعة قصصية تطرح الكثير من الأسئلة المعبأة بكثافة المعاني واختلافها، وكشف آليات الخطاب وجماليات الوصف بلغتها وجملها الساحرة في كل قصة لوحة حية متحركة ترسم فوق السطور بريشة رهفة الألوان طرية الخطوط ممتعة السرد قريبة للقلب، لو تمعنا بعنوان “دقائق قبل الإعدام” لوجدناه لوحة رسمت أجزاؤها بكل شفافية في زمن الحب بالألم بالوطن بالشوق بصور المنهكين في أرض النفس.
وقد بدأت الكاتبة بتقديم إهداء إلى من يحبني ومن ثم القصة الأولى بعنوان “الدب الأبيض الكبير”، هي قصة من الواقع نسجتها بحروفها الغارقة في تفاصيل الأشياء والوقت وقد أضفت جمالية السرد عذوبة وشفافية عالية المعنى لتقول في المقطع الأول من القصة.. بكاء لم يستحضره ألم جديد بل ألم عمره سنوات.. أخذت الجراح تفتح ذاتها وتتزاحم إلى عيون الذاكرة…كانت أيام طفولتها هي أيام السعادة الوحيدة التي حصلت عليها، حتى مراهقتها فاختيارها الخاطئ لرجل لا حسنات له أخرجها هروبها معه من قلوب العائلة ومن المدرسة والمستقبل. هنا نجد الكاتبة تفيض بأنين وكأنه يصرخ في وجه ذلك الآخر، فالغربة تتفتق بالأفعال، فالمشهد الذي نقلته الكاتبة من واقع اجتماعي إلى خيال أدبي محسوس مما أعطى بلاغة مدهشة في صياغة الأفكار ببراعة التراكيب، وفي قصة “دقائق قبل الإعدام” هنا جسّدت الكاتبة أشخاص القصة من واقع نعيشه، فالطبيب يتاجر بالأعضاء وهو من كان مثالاً وقدوة لطلابه ليقوده غروره إلى حبل المشنقة فتقول الكاتبة في مقطع من القصة:
روائح الموت والفجر والنعاس تعانقت هنا، بينما في مكان آخر في المدينة كانت عينان أخريان تمطران حقداً وحزناً تسهران، ويدان ترتبان أوراقاً… بدأ النهار باكراً هذا النهار ارتدى الرجل بدلته البنية، وأخذ يرتشف انتظار الصباح، وبين ارتعاش اليدين والذهول كان الفجر يعنيه أيضاً يبدو هادئاً، وهو يخاطب للتو أرواحاً كانت قد رحلت دون ذنب، هنا الكاتبة اعتمدت سمة الرمزية المنطلقة من رؤية فلسفية، فالمعاني لا تموت بمجرد وصولها إلى المتلقي بل هي متجددة في خلق التوتر الأول الذي تولد لدى الكاتبة وأوصلته إلى المتلقي وبدرجات متفاوتة فالطاقة الإيحائية الكامنة القادرة على بث دلالي وسيميائي متعدد الأوجه والتأويلات لدى الكاتبة مما يكشف دخائل القصة وهذا يدل على تمكن الكاتبة من أدواتها الفنية وقد تناولت المجموعة القصصية سبعة عناوين وهي “الدب الأبيض الكبير”، “دقائق قبل الإعدام”، “بعمق الصمت”، “ظل امرأة”، “العودة”، “أبو علي المسكين”، “عند حافة الفراغ” وفي مقطع من قصة بعنوان “ظل امرأة” تقول الكاتبة:
كثيرة هي الأوقات التي نشعر فيها أننا ندير حياتنا أو أننا نرسمها، ولكن أية إرادة كانت لتلك السيدة التي تريد، وإحكام قبضتها بيدها المرتجفة على سنواتها الأتية لا أنفك أقول لنفسي وماذا بعد؟ لماذا نحقد على شهرزاد لأنها أنقذت النساء من الموت الذي تراه هذه السيدة رحمة أم أنها لم تقتل شهريار سفاح النساء هذا في ليلتها بعد الأخيرة، وبدل هذا ارتضت أن تكون له لا شك أن لها رأي أخر ليتني أسمعه.
لقد وظفت الكاتبة الأحداث بأسلوب سلس وكأنه مقطع موسيقي، وقد عبرت من خلال مجموعتها القصصية عن واقع اجتماعي وحالات نعيشها بغموض وعن ظلم المرأة وما تتعرض له، فكانت الواقعية موجودة بكل قصصها فالعمق في الطرح والجرأة في القدرة المدهشة في التعبير والسرد والأهم المشاعر التي يعيشها المتلقي لتشعر أنك تعيش أحداث كل قصة وتتفاعل معها بكامل أحاسيسك إنها براعة وذكاء الكاتبة في إيصال الصورة بلغة فلسفية عميقة وأسئلة تمتزج بالخيال والوجدان. وقد اعتمدت الكاتبة على التجربة والخطاب المشهدي الذي يحكي جوانب الواقع بصور لونتها بريشتها المبدعة لتقنع المتلقي أو القارئ بأنها غاصت في عمق الذات والنفس وبلغة مدهشة وانسيابية بحيث استطاعت أن تحلق في مجموعتها القصصية “دقائق قبل الإعدام”، كمجموعة تأنقت حروفها بصوت موسيقي دندنته على ورق الذاكرة والحقيقة بمشاعر نابضة بالحب رغم الهموم والأحزان.
هويدا محمد مصطفى