استهلاكية مغلوطة..!
علي بلال قاسم
قد تكون سوية الوعي الاستهلاكي غير متقدمة بالشكل الذي تتطلبه أنظمة التجارة الداخلية وأدبيات البيع والشراء في السوق، ولكن هناك ما يمكن أن يشكل ميزة وقيمة مضافة في ملف (المستهلك)، وقوامها الخبرة المتراكمة التي تشكلت مع الزمن جراء التجارب التي أشعلت رأس المواطن شيباً لكثرة وعديد الضربات التي أكلها على جنبات معيشته بعصا التجار التي لم ولن ترحم.
ولأن سياسة التجريب التي أدمت العلاقة بين المستهلك والتاجر فعلت فعلها سلباً عند الأول، في الوقت الذي تعاظمت مرابح الثاني، فإن الإمعان في الغبن قلما دفع المواطن لاتخاذ موقف المواجهة وليس الانصياع لجشع المتاجرين بلقمة الناس، وهذا ما ألفناه مع كل فنون الاستغلال التي مورست ولاسيما الغلاء والاحتكار والغش والتدليس.
قد تكون حالة الانضباط والأخلاقيات الاجتماعية السائدة في مجتمعنا فرصة لتمادي التجار وشيوخ الأسواق، لاسيما مع تردد المستهلك في الشكوى على أسس روحية تنبع من الالتزام الديني بعدم جواز قطع الأرزاق وفي مبرر آخر عدم الجدوى لاستفحال الفساد والرشوة، إلا أن المشكلة في استمرار الاستغلال الباطل أمام حق قانوني وشرعي يعزف المواطن عن ممارسته رغم أن (الساكت عن الحق شيطان أخرس) و(من غشنا ليس منا).
اليوم هناك ما يدعو لإعادة النظر بسلوكيات استهلاكية مغلوطة دفعت شريحة التجار للاستشاطة في جنايتهم بحق الناس حتى بوجود نصوص تشريعية من المفترض أن تكون رادعة وفي مراحل متقدمة توقف المسيئين عند حدهم. وليس أولى من سلاح (المقاطعة) الذي يأتي أوكله مباشرة دون الرجوع إلى القوانين التي طالما تعودنا عليها أن تكون مطاطة وفي صالح الحلقة الأقوى (التاجر) في أزمان تعود المواطن الظلم العامودي والأفقي.
هنا، لسنا بصدد الدفع بالناس نحو العزوف عن الأكل والشرب وشراء المستلزمات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، بل هناك سلع ومواد ليست بالضرورية والملحة في الحياة اليومية يمكن اللجوء إلى خيار المقاطعة عند قيام التاجر برفع سعرها دون مبررات مقنعة أو احتكار بعض المواد طمعا بتثبيت سعر جديد لاسيما أن المتعارف علية أن المستوى الذي يصل إليه سعر المادة ارتفاعاً لن يعود من جديد إلى الحدود الطبيعية، إلا في حالات قسرية وزجرية تفرضها الحكومة على الأغلب بناء على ضغوطات تصب في خانة إرضاء الشارع.
وفي معرض الكلام هذا، لم تكن دعوة الكثيرين لمقاطعة مشروب المتة الشعبي، إلا إحياء لماض لم يخل من حملات طفت لفترة ثم خبت بسبب التراخي وعدم التطبيق، وهذا ليس جديداً في ظل إخفاق الحكومة في تكوين ثقافة استهلاكية وتسويقية تملك أدوات وطرق أكثر فعالية من القوانين ذاتها، ومع كثرة السلع الثانوية أسوة بتلك الكمالية التي شجعت الدولة على تأجيلها في ظل هذه الظروف للتقليل من الهدر وترشيد الاستهلاك، فإن سلاح (مقاطعة) هذه السلع، ومعها التجار، له من القوة والاستطاعة ما لم يستطعه نص تمادى التاجر بتوظيفه واستغلاله بالتواطؤ مع موظفين مقنعين بلبوس ابن الدولة ولكنه مخرب درجة أولى.