روسيا وخيار الانسحاب من وكالات الأمم المتحدة
عناية ناصر
لم يحصل موضوع مغادرة روسيا منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية، وربما هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة والهيئات الدولية، على التغطية من قبل وسائل الإعلام الغربية. ووفقاً لنائب رئيس مجلس الدوما الروسي، بيوتر تولستوي، فإن الحكومة الروسية تقوم بتقييم إمكانية الانسحاب من عدد من وكالات الأمم المتحدة، ومن أبرزها منظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية التي تعتبر أنها تضرّ بروسيا أكثر مما تنفعها. قد يكون هذا هو الحال بشكل خاص مع منظمة التجارة العالمية التي انضمت إليها روسيا في عام 2012 بعد 8 سنوات من المفاوضات.
ألغت منظمة التجارة العالمية وضع روسيا “الدولة الأولى بالرعاية” رداً على الحرب في أوكرانيا، مما دفع العديد من الدول إلى تعليق التفضيلات التجارية لموسكو، وفرض رسوم جمركية تتجاوز ما تسمح به قواعد منظمة التجارة العالمية عادةً. لكن في الواقع، لا يتوجب على منظمة التجارة العالمية، التي أُنشئت بموجب ميثاق الأمم المتحدة أن تتخذ قرارات سياسية لمصلحة أو ضد عضو من أعضائها الـ164. لكن تحت ضغط من الحكومات الأمريكية والأوروبية، انسحبت مئات الشركات الغربية -من “أديداس”، و”ماكدونالدز”، و”بيبسي” إلى “بريتيش بتروليوم”، و”رينو”، و”بريتش أمريكان توباكو”، و”ستاربكس” وغيرها الكثير- من روسيا خوفاً من العقوبات الغربية المباشرة، ما يعني أن الأمر يساهم في الدعاية المعادية لروسيا، والتي بحدّ ذاتها تساهم في الضغط الغربي المتزايد على موسكو.
أما بالنسبة إلى منظمة الصحة العالمية، التي تتظاهر بأنها منظمة غير سياسية، فيبدو أن الأمر في الواقع هو العكس تماماً، حيث قامت المنظمة، وبضغط من بيل غيتس، والولايات المتحدة، برفض الموافقة على لقاح “سبوتنيك في” الروسي باعتباره لقاحاً رسمياً، مثل لقاحات “فايزر”، ولقاح “جونسون أند جونسون”، و”موديرنا”.
انضمت منظمة الصحة العالمية إلى الغرب في حملة إدانة روسيا، بسبب الحرب في أوكرانيا، ولم تنظر أبداً في الأسباب التي أدّت إلى اندلاع الحرب، ولم تنظر أبداً في الآثار الصحية لثماني سنوات من قصف منطقة دونباس، والاعتداء عليها من قبل نظام كييف بمساعدة “النازيين الجدد”. وفي الإطار ذاته لم تقيّم منظمة الصحة العالمية بشكل مستقل الأضرار التي لحقت بالمرافق والمنشآت الصحية في شرق أوكرانيا التي دمرتها الحكومة الأوكرانية نفسها. لذلك يتعيّن على منظمة الصحة العالمية أن تكون حيادية من أجل تحليل أسباب تقارير الوفيات الجماعية والأمراض والإصابات، وإن عدم القيام بذلك هو مجرد دعم للرواية الغربية، والذي يعدّ انتهاكاً خطيراً لقوانين منظمة الصحة العالمية، ودورها في تحديد سبب تدهور حالة رفاهية المجتمع.
في 13 حزيران 2019، وقّعت الأمم المتحدة إطار شراكة إستراتيجية مع المنتدى الاقتصادي العالمي لتحديد مجالات التعاون حتى عام 2030، لكن هذا المنتدى هو منظمة غير حكومية ثرية تعمل في خدمة الشركات المالية الكبرى والأوليغارشية الفردية. حتى عملية إعادة “الضبط الكبرى” التي كانت قيد الإعداد قبل وقت طويل من اتفاقية إطار الشراكة مع الأمم المتحدة، هي ليست إلا آلية للتحكم النهائي بموارد العالم. وبالطبع روسيا ليست فقط أكبر دولة في العالم، ولكن يمكن القول أيضاً إنها الأكثر ثراءً من حيث الموارد الطبيعية. وبالتالي، فإن روسيا في مرمى قوى الإمبراطورية الغربية، بما في ذلك المنتدى الاقتصادي العالمي ومتعهدوه. ولهذا كانت وزارة الخارجية الروسية محقة عندما قالت إن العديد من مؤسّسات الأمم المتحدة تعمل ضد مصالح روسيا، وهذا سبب وجيه للخروج منها.
إن إلقاء نظرة على الماضي القريب قد يظهر بعض الأفكار حول سبب تعرّض روسيا للافتراءات والكراهية الصريحة من قبل الغرب، وبالطبع بدعم من الدعاية الإعلامية الفاسدة في الغرب.
لا أحد في الغرب يشكّ في أن بوتين قد أوصل روسيا إلى موقع القوة العالمية الكاملة، وذلك في أقل من عقدين، ولذلك لن تنجو روسيا، الحليف الوثيق للصين والعضو النشط في التكامل الشرقي، من الضغط الأمريكي والغربي. وبناءً على ذلك فإن مغادرة وكالات الأمم المتحدة قد تغري دولاً أخرى -لم تجرؤ حتى الآن على القيام بذلك- على اتخاذ مثل هذا الإجراء الصارم، إشارة إلى أنها قد تكون أيضاً أفضل حالاً بعدم الانتماء إلى هذه الشبكة الدولية الفاسدة في الغرب، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.