حضرت الحكومة وغاب المستثمرون.. الطروحات اللاعقلانية لا تدير عجلة الاستثمار..!
يحيّرنا رجال المال والأعمال بمطالبهم المتجددة من جهة، مثلما يحيرنا المنظرون بطروحاتهم اللاعقلانية من جهة أخرى، حول رؤيتهم لعملية تحريك عجلة الاستثمار في سورية..!
لقد كان ملتقى الاستثمار الذي انعقد في حلب بتاريخ 4/ 8/ 2022 انعكاساً لانعدام الرؤية الواضحة، بل للرغبة الجدية سواء من الجهات الحكومية أو رجال المال والأعمال لإطلاق عملية استثمار واسعة وجدية في الأمد المنظور .. ترى لماذا..؟
الحكومة تؤكد على لسان الوزراء المعنيين: قانون الاستثمار رقم 18 عصري ويلبي حاجات المستثمرين السوريين والأجانب..!
يرد الصناعيون ورجال المال: المحفزات والتسهيلات لا تشجعنا على الاستثمار..!
ويؤكد بعض المنظرين أن الفائدة المرتفعة على القروض المصرفية لا تشجع على الاستثمار..!
وما يؤكد وجود أزمة استثمار حتى بوجود قانون عصري ومنافس هو غياب المستثمرين عن مؤتمر عُقد لمناقشة مطالبهم ومقترحاتهم ورؤيتهم للآليات الفعالة لدوران عجلة الاستثمار في الأمدين القريب والبعيد، فلماذا حضرت الحكومة وغاب المستثمرون..؟
أربعة وزراء بمواجهة مطالب مكررة!
لولا حضور أربعة وزراء (الإسكان والاقتصاد والصناعة والسياحة) لكان ملتقى الاستثمار باهتاً بل تحول إلى اجتماع مكرر بين وزير أو أكثر مع الفعاليات الصناعية والتجارية، إذ ماذا سيناقش الوزراء الأربعة بغياب المستثمرين عن الملتقى؟، ورغم إن محور الملتقى مناقشة قانون الاستثمار والآليات الفعالة لتطبيقه فقد وجدها الصناعيون فرصة لتكرار مطالبهم وتحديداً من قبل الذين تحولت معاملهم إلى أكوام من الحديد..!
الاستثمار حتمي .. لمن؟
من المنطقي أن نسمع رئيس هيئة الاستثمار يعلن: الاستثمار اليوم حتمي، وليس خياراً..!
هذا الإعلان كان يصلح لأن يكون شعاراً لملتقى الاستثمار، لكننا لم نسمع إجابة على السؤال: الاستثمار حتمي، ولكن لمن..؟
وإذا كان رئيس الهيئة أشار إلى حزمة الحوافز والتسهيلات التي وفرها القانون 18 وبأن عدد المشروعات المرخصة بموجبه بلغت 38 مشروعا قيمتها 1.452 تريليون ليرة .. فإنه تجاهل ذكر عدد المشاريع التي بدأت الإقلاع، فالمهم ليس عدد المشاريع المرخصة وإنما ماذا ينفذ منها الآن..!!
وأرقام الاستثمارات التي أوحى رئيس هيئة الاستثمار بأنها (إنجازاً) وصفها رئيس اتحاد غرف الصناعة بـ ‘‘الهزيلة’’، وهي برأيه هزيلة لأن الحكومة لم تُشمّل أي منطقة صناعية أو تجارية مدمرة بقانون الاستثمار..!
والسؤال المحير فعلاً: كيف يمكن للوزارات المعنية بأن تدعو رجال المال والأعمال للبدء باستثمارات جديدة دون الاهتمام بـ ‘‘نفضة’’ وفق قانون الاستثمار للمناطق الصناعية والتجارية المدمرة..!
إن عدم جدية الجهات الحكومية باستثمار المدمر كان المبرر لعدم جدية رجال المال والأعمال والصناعيين بإطلاق مشاريع جديدة، وكأنّ هناك منافسة حول عدم الجدية بين الحكومة والمستثمرين، وهذا ما ترجمه حرفيا ملتقى الاستثمار الأخير في حلب، وإن لم تتدارك الحكومة الجمود الراهن برؤية مختلفة في القادم من الأيام فسيبقى قانون الاستثمار رغم عصريته حبراً على ورق!!
الكهرباء ثم الكهرباء..!
ومن العبث الحديث عن مزايا قانون الاستثمار وتحفيز المستثمرين بغياب الكهرباء، أي عدم تأمينها للمستثمرين وللصناعيين على مدار الدقيقة وليس الساعة فقط..!
نعم، لقد تحسنت الكهرباء بالنسبة للمنشآت الصناعية قليلاً بعد سنوات من المعاناة المريرة، ويجب على الحكومة أن تجد حلاً جذرياً ودائماً لمشكلة حوامل الطاقة فلا استثمارات ولا مستثمرين بدون ضمانات بتأمينها دون أي انقطاع مهما كانت الأسباب والمبررات..!
وسبق واقترحنا إقامة شراكة بين وزارة الكهرباء وغرف التجارة والصناعة على شكل شركة مساهمة تطرح أسهمها على الاكتتاب لتمويل محطة توليد أو أكثر مخصصة حصرياً للمناطق الصناعية القائمة وللاستثمارات الجديدة، لأن الاعتماد على الطاقات البديلة قد يكون حلاً تكميليا وليس الحل الجذري لأزمة الكهرباء..!
دعم فوائد القروض
ولا يترك وزير الاقتصاد مناسبة إلا ويذكر فيها مشروع دعم فوائد القروض المرصد له 20 مليار ليرة تتحمل منها الحكومة 7% والباقي المستثمر دون أن يكشف لنا عدم حماسة المستثمرين لهذا المشروع..!
قد يكون السبب أن المستثمر غير مستعد لقرض لا يستطيع الاستفادة منه إلا ضمن مشاريع دعم الفائدة، أو لا يمكنه سحب قرض بقيمة عالية فماذا لو طلب خمسة مستثمرين قروضا بقيمة 20 ملياراً..؟
هذا المبلغ يعادل 7.1 مليار دولار بالسعر الرسمي أي ما يعادل 334 مليون ليرة في عام 2010 أي أقل من أي قرض حصل عليه العشرات وتجاوز الواحد منها المليار ليرة أي 20 مليون دولار..!
وهذا يؤكد مجدداً عدم جدية الحكومة بدعم المستثمرين بالقروض، يقابلها رجال المال بعدم الجدية في الاستثمار ترجموه بعدم حضور الملتقى في حلب..!
وأشار وزير الاقتصاد إلى (مزايا عديدة يحظى بها المستثمر ومنها على سبيل المثال وليس الحصر تخصيصه ببقعة أرض بالمدينة الصناعية والسداد لمدة 20 عاماً وبأثمان متدنية وأقساط نصف سنوية، واعتبرها من المزايا “المهمة” للمستثمرين يتم منحهم إياها) .. والسؤال: لماذا لم يستفد المستثمرون من هذه المزايا..؟
إذا كانت وزارة الاقتصاد لتعرف السبب فهذه مشكلة بحد ذاتها تعكس خللاً وتقصيراً، أما إذا كانت تعرف السبب ولم تعالجه فنحن أمام مشكلة مستعصية بفعل عدم الجدية بتفعيل قانون للاستثمار عصري ومنافس..!
لقد أعلن بعض المنظرين عن آراء غريبة حول أسباب عزوف رجال المال عن الاستثمار وجزموا إن السبب الفائدة العالية على القروض المصرفية، فهل هذا صحيح..؟
هكذا يحسبها المستثمر
حسنا، دعونا ننظر إلى طريقة تعامل رجل المال مع القرض المصرف..لنفترض أن فائدة قرض المليون ثابتة عند 15 % في عامي 2010 و2022 .. فهذا يعني التالي:
ـ تبلغ فائدة قرض المليون (20000 دولار) في عام 2010 مبلغ 150000 ليرة سنوياً (3000 دولار).
ـ وتبلغ فائدة قرض المليون (250 دولاراً) في عام 2022 مبلغ 150000 ليرة سنوياً (37,5 دولار).
المستثمر الذي لا يعترف ولا يتعامل أساس بالليرة إلا في حالات البيع في السوق المحلي كان يدفع فائدة عن مبلغ الـ 20000 دولار مبلغ 3000 دولار سنوياً عام 2020 وسيدفع في عام 2022 عن قرض الـ 250 دولار فائدة بمقدار 37.5 دولار سنويا..!
وبتبسيط أكثر يدفع المقترض في عام 2010 فائدة عن كل دولار اقترضها 15 سنتا .. وهو أيضاً سيدفع في عام 2022 فائدة عن كل دولار 15 سنتا .. ماذا نستنتج؟
أن الفائدة مقيمة بالدولار لم تتبدل خلال الـ 22 عاما الماضية بل أن المستثمر سيحسبها استناداً لتجارب قروضه السابقة للمستقبل على الشكل التالي: كل تعديل لسعر الصرف يعني انخفاضاً بقيمة القرض وانخفاضاً بفائدته والخسارة لن يتحملها لا الحكومة ولا المصارف وإنما أصحاب الودائع فقط!!
علي عبود