إدارات عاجزة..!
معن الغادري
كلّ المعطيات والمؤشرات والأرقام غير المتداولة تؤكد أن معظم المديريات والمؤسّسات الخدمية والإنشائية لم تنجح حتى الآن في خلق بيئة ناضجة للعمل، وإيجاد قواسم مشتركة حقيقية وجامعة بين العمل الخططي والتنفيذي. ومردُّ هذا الفشل هو عدم القدرة على تحليل الواقع والإمكانات والطاقات المتاحة، ما أدى إلى انحراف العمل وبزاوية منفرجة عن المسارات والدراسات والخطط المرسومة، وهو ما يفسّر حالة التراخي في آليات التنفيذ والإنجاز في مجمل المشاريع ذات الطابع الحيوي والإنتاجي، ناهيك عن الهدر الحاصل في المال والوقت، والذي تسبّب بخسارات كبيرة وبعجز في الميزانيات المرصودة!.
وبعيداً عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة للإخفاقات المتتالية، وهي بالتأكيد معروفة من قبل الوزارات المعنية، نجد أن المشكلة تكمن في تباعد الدراسات الموضوعة وعدم تطابقها فنياً، يضاف إلى ذلك التباين والفوارق في الحسابات غير المدروسة والمتناقضة -خططياً وتنفيذياً-، ولنا العديد من الأمثلة في هذا السياق، إذ أن عشرات المشاريع في حلب مضى على إقرارها سنوات طويلة وما زالت في مراحلها الأولى لأسباب فنية بحتة، وأكثر من ذلك هناك مشاريع على الهيكل انتهى عمرها الافتراضي ولم تُستكمل حتى الآن!!.
أمام هذا المشهد غير المنتظم لخريطة العمل التنفيذي، نرى من الضرورة بمكان إجراء تقييم وتحليل مدروس ودقيق لمراحل العمل المنجزة والمتبقية، وتحديد المواصفات المطلوبة والتكلفة المالية وتاريخ إنجاز المشروع، واعتماد المعيار المحاسبي في المسائل المتعلقة بالتقصير والتراخي والهدر، والعمل جدياً على تطويق حالات الفساد الإداري والمالي على السواء، وهو الدور المنوط بلجان الإشراف والمتابعة والأجهزة الرقابية، والمطلوب منها في هذه المرحلة وبإلحاح شديد ممارسة دورها الفاعل والناجز كضامن لانتظام دورة العمل وعدم انحراف مساره.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى طبيعة العلاقة المخفية بين العام والخاص، وتحديداً ما يتعلق منها بملف الاستثمارات وبالعقود التي يتمّ إلزامها للمتعهدين من القطاع الخاص -والتي مرت مرور الكرام- على الرغم من كلّ ما شابها من أخطاء وثغرات وتحايل على القوانين وتلاعب بالمواصفات والجودة.
خلاصة القول: لم يعد مقبولاً التخفي وراء الإصبع، في وقت ترتفع فيه حدة الأزمات الاقتصادية والمعيشية، ويزداد الخناق على المواطن. وهنا لا بد للحكومة بكل مفاصلها وأذرعها أن تكون حاضرة في الميدان، وليس من على المنابر وفي المكاتب المغلقة، وأن تكون أكثر شدّة وصرامة في ضبط إيقاع العمل في المؤسّسات والمديريات، وأن تصوّب عين رقابتها على حلب، لأن الداء استوطن واستفحل فيها ولم يعد ينفع علاجه إلا بالكيّ.