العدوان على غزة.. لا شيء يحدث مصادفة!!
بسام هاشم
واضح تماماً أنه لا يمكن إدراج الاغتيال الوحشي لثلاثة من قادة «شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لحركة «فتح»، صباح أمس، في نابلس، بالضفة الغربية، إلا في سياق «متابعة» العدوان على غزة، والذي كان توقف إثر الاتفاق على وقف النار بعد ملاحم بطولية سجلتها كوادر حركة «الجهاد الإسلامي» لثلاثة أيام متواصلة . . إنه «متابعة» لأن أسلوب الاغتيال كان التكتيك الذي استخدمته قوات الاحتلال في كل من الضفة والقطاع، ولأنه كان خلاصة التنسيق المشترك داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي جنّدت كل مكوّناتها العسكرية والسياسية والإعلامية لاجتثاث حركة «الجهاد الإسلامي» تحديداً، وهو «متابعة»، أيضاً، لأنه استهدف القيادات الميدانية للفصائل المقاومة استهدافاً بمنتهى الوحشية، ودون أدنى اعتبار لأية تكلفة بشرية، مهما كانت باهظة، يمكن أن تنجم عن الاغتيال، بل ومهما كان عدد الضحايا «غير متكافئ»، أو خارج التوقعات، فقد انتهت العملية الإجرامية في غزة إلى أشبه بحرب إبادة صغيرة سجلت أكثر من أربعمائة شهيد وجريح خلال أقل من سبعين ساعة، فيما انتهت جريمة نابلس، صباح الثلاثاء، إلى أكثر من 43 شهيداً وجريحاً خلال أقل من أربع ساعات أبدى فيها المقاوم، إبراهيم النابلسي، مقاومة ضارية في وجه جنود وآليات الاحتلال التي حاصرته في أحد منازل المدينة القديمة.
للوهلة الأولى، بدا أن ما يسمى حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية، بزعامة لبيد، تستميت في تحقيق إنجاز ما، خاطف ومضمون، يقودها مباشرة إلى صناديق الاقتراع، وسرعان ما وجدت في اللجوء إلى الاغتيالات «المستهدفة» أسلوباً – جديداً قديماً – يمكنها من الانقضاض على المعادلات التي كانت فرضتها عملية «سيف القدس» قبل عام، من خلال المباشرة بالعمل على تقويض مبدأ «وحدة المعركة» و»وحدة الساحات»، بين غزة والضفة من جهة، وبين مختلف فصائل المقاومة من جهة أخرى؛ ليتدحرج الوضع قبل أيام، وسط عمليات معقدة من التضليل والخداع، وسلسلة من مبادرات وتطمينات الوسطاء، إلى استفراد غير معلن بحركة الجهاد الإسلامي، وجناحها العسكري «سرايا القدس»، في قلب المعركة.
بالتأكيد، لم يكن الاحتلال ليجرؤ على الإمعان في عملية الاستفراد هذه، وعلى هذا الايقاع الخاطف والسريع، لولا أن هناك ما حدث، ولولا أن الحسابات السياسية والميدانية لم تعد تتطابق تماما لدى البعض على امتداد خطوط المواجهة مع الاحتلال. وقد يكون من غير الموضوعي التعجل في إطلاق الأحكام أو التسرع في توجيه الاتهامات، لكن التساؤلات والهواجس تطرح نفسها بقوة في هذا الإطار، فقد تصرفت قوات الاحتلال وكأنها مطلقة اليدين خلال جولتين من القتال، وهي لم تكن لتقبل بوقف العدوان لولا أنها وجدت لدى «الجهاد» القدرة الفورية على استيعاب ضربة الاغتيال التي استهدفت الصف الأول من قادتها، وعلى إمكانية تطوير قدراتها النارية خلال عملية الرد على العدوان، وعلى الاحتفاظ بالإرادة القوية في مواصلة القتال.
لقد تعمدت قوات الاحتلال دفع «الجهاد» إلى المواجهة، وضمنت من خلال الوعود والوسطاء بقاء البعض بعيداً عن خطوط المواجهة، وتصرف البعض على أمل أن ضربة عسكرية إسرائيلية محدودة قد ترفع أسهم المنافسة، وقد تصب في صالح أجندات لا تزال توضع – الآن وحتى إشعار آخر – بالتخطيط والتوافق مع «رعاة» إقليميين – سياسيين وماليين – يتصدرون قائمة حلفاء الاحتلال. فهل بات التناغم والمضي بأجندات حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية أولوية تتقدم على اعتبارات التضامن في ساحات الموت والدمار الفلسطيني؟ وهل تحول العمل المقاوم إلى عبء ومصدر إزعاج في ظل الحصار والتضييق الإسرائيليين؟ وهل بات تحسين الظروف المعيشية والمضي بصفقات تبادل الأسرى حوافز جدية تستدعي الصمت والتضحية بالمقاومين تحت قصف الاحتلال؟ وهل نقبل التمييز بين المقاومين حتى وهم في الأسر؟
يمكن الإجابة ببساطة أنه ما من شيء يحدث مصادفة، وما من شيء يبدو بريئاً حتى الآن، فالتزام البعض بالتشاور والتنسيق مع «الرعاة الإقليميين» في سبيل إبرام صفقة تبادل أسرى – تتصدر اليوم أولويات أكثر من طرف، وقبل كل شيء الحكومة الإسرائيلية الحالية – يصب في طاحونة العدو المشترك، ولا يرقى إلى حقوق الأسرى الفلسطينيين بالمساواة وإطلاق سراحهم جميعاً من المعتقلات.
هناك من هو معني بتقديم تفسيرات حول فض الالتزام بقرار «وحدة المعركة» و»وحدة الساحات»، بمعنى خذلان المقاومين المرابطين على الأرض، ورفض «الانجرار للقتال»، وترك العدو يستفرد بالجهاد.. ولكنه معني قبل ذلك بتقديم التوضيحات حول طبيعة ارتباطاته الإقليمية التي قد تنتهي – كما انتهت في تجربة سابقة – إلى الانجراف في تيارات المصالح الإقليمية والقبول أخيراً بواقع الاحتلال.