” الظواهري” …. الانتصار المزعوم قتل وظيفي لاعتبارات داخلية…. المهمة لم تنجز والدور القادم في القارة السمراء
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
وإن قتل أيمن الظواهري، وقبله أسامة بن لادن، وقبلهما العديد العديد من قادة تنظيم “القاعدة” الارهابي، إلا أن ذلك لا يشفع للولايات المتحدة الأمريكية هذا الانتصار المزعوم على تنظيم أنشأته وصدّرته إلى دول العالم ليكون فيما بعد أداة بيدها تستخدمه عند الضرورة، وتقتل من قادته من ينتهي دوره الوظيفي، وتسجل بهذا القتل انتصاراً حسب المفهوم الأمريكي الذي بات مفضوحاً، بل ممجوجاً لدرجة الوقاحة في توظيف حوادث القتل لقادة تنظيم إرهابي من صنيعتها، وبالتالي لن تنتهي هذه السلسلة من عمليات القتل الوظيفي، وربما يكون الهدف المقبل هو أبومحمد الجولاني نفسه بغارة، أو بمسيّرة، لأن المهمة لم تنجز بعد، أو بمعنى آخر هناك دور ما في بقعة ما من هذه الأرض.
كعادته ألقى الرئيس بايدن خطاب النصر من البيت الأبيض، ولم يذكر الرئيس، وتقريباً جميع الروايات الإعلامية عن عملية القتل، وذلك بسبب الدور الكبير الذي لعبه كبار أعضاء إدارته خلال سنوات أوباما في إنشاء مخبأ يسيطر عليه تنظيم “القاعدة”، وعليه يمكن قتله بسهولة وبالتالي تسجيل الانتصار الوظيفي.
القاعدة في سورية
في الحرب الإرهابية على سورية، دفعت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لدعم الإرهابيين، وحينها قام كبار مسؤولي أوباما، الذين يخدمون الآن تحت قيادة بايدن، بتحويل السياسة الأمريكية إلى تمكين وتسليح الجماعات الإرهابية التي اجتذبت المقاتلين من جميع أنحاء العالم. في ذلك الوقت، جاء التعبير المختصر من جيك سوليفان إلى رئيسته في وزارة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون في رسالة بريد إلكتروني في شباط 2012: “القاعدة في صفنا.”
سوليفان، مستشار الأمن القومي الحالي لـ بايدن، هو واحد من العديد من المسؤولين الذين أشرفوا على الحرب بالوكالة ضد سورية في عهد أوباما. كما أن إدارة بايدن تضم وزير الخارجية أنطوني بلينكين، ومبعوث المناخ جون كيري، ومديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، ونائب وزير الخارجية ويندي شيرمان، ومنسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك، ومستشار وزارة الخارجية ديريك شوليت.
القاعدة في ليبيا
في آذار 2011، بعد ضغوط شديدة من كبار المسؤولين بمن فيهم الوزيرة هيلاري كلينتون، أذن الرئيس أوباما بشن حملة قصف لدعم الإرهابيين الذين يقاتلون معمر القذافي، وبدعم من القوة النارية للناتو أطاح المتمردون بالقذافي الذي تم اغتياله في تشرين الأول.
على الرغم من إخفاء كبار مسؤولي المخابرات عملية بنغازي في شهادة أمام لجنة المخابرات بمجلس النواب، إلا أن تحقيق مجلس الشيوخ أكد في النهاية دوراً مباشراً لوكالة المخابرات المركزية في نقل الأسلحة إلى ليبيا. وقد وثقت نسخة سرية من تقرير لمجلس الشيوخ لعام 2014، لم ينشر علناً، اتفاقاً بين الرئيس أوباما وتركيا لنقل أسلحة من ليبيا إلى سورية. هذه العملية، التي تأسست في أوائل عام 2012، كان يديرها ديفيد بترايوس، مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك. وقد قال مسؤول استخباراتي أمريكي سابق للصحفي سيمور هيرش خلال لقاء مع مجلة “ريفيو أوف بوكس” في لندن: “كانت مهمة قنصلية بنغازي الوحيدة توفير غطاء لنقل الأسلحة إلى سورية. لم يكن لها دور سياسي حقيقي”.
تحت الغطاء الدبلوماسي، يبدو أن ستيفنز كان شخصية مهمة في برنامج وكالة المخابرات المركزية. قبل أكثر من عام، وقبل أن يصبح سفيراً في حزيران 2012، تم تعيين ستيفنز مسؤول الاتصال الأمريكي مع المعارضة الليبية. في هذا المنصب، عمل مع الجماعة الارهابية المقاتلة الليبية المرتبطة بـ”القاعدة” وزعيمها عبد الحكيم بلحاج، أمير الحرب الذي قاتل إلى جانب أسامة بن لادن في أفغانستان. بعد الإطاحة بالقذافي، تم تعيين بلحاج رئيساً لمجلس طرابلس العسكري الذي كان يسيطر على الأمن في عاصمة البلاد.
حقيقة دعم القاعدة
يتذكر الجنرال مايكل فلين، الذي كان يرأس وكالة الاستخبارات العسكرية في إدارة أوباما، أن موظفيه “حصلوا على معارضة هائلة” من البيت الأبيض لأوباما. قال فلين: “شعرت أنهم لا يريدون سماع الحقيقة”. في عام 2015، بعد عام واحد من طرد فلين، وقع عشرات من محللي استخبارات البنتاغون على شكوى يزعمون فيها أن كبار مسؤولي استخبارات البنتاغون كانوا “يطبخون الكتب” لرسم صورة أكثر وردية للإرهابيين.
كتب تشارلز ليستر، المحلل الممول من دول البترودولار، وعلى اتصال وثيق مع الجماعات الإرهابية في آذار 2015: “نادراً ما يتم الاعتراف صراحةً بذلك علناً، الغالبية العظمى من الإرهابيين تنسق عن كثب مع القاعدة”.
ووفقاً لديفيد مكلوسكي، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، كان المسؤولون الأمريكيون يعرفون أن الجماعات التابعة للقاعدة والجماعات السلفية كانت المحرك الأساسي لأي تمرد على المستوى العالمي”.
اعترف بن رودس، أحد كبار مساعدي أوباما، في مذكراته بأن “جبهة النصرة” بالإضافة الى معظم الجماعات الارهابية التي تدعمها الولايات المتحدة “تقاتل جنباً إلى جنب مع القاعدة”.
على الرغم من إدراكهم الخاص فيما يخص “القاعدة”، استمر مسؤولو إدارة أوباما في الإصرار علناً على أن الولايات المتحدة لا تدعم “القاعدة”، كما وصفها نائب مستشار الأمن القومي آنذاك أنتوني بلينكين في أيلول 2014.
لكن في حديثه إلى جمهور من جامعة هارفارد، أوضح بايدن، نائب الرئيس آنذاك، الحقيقة المخفية. إذ اعترف بضخ مئات الملايين من الدولارات وآلاف الأطنان من الأسلحة، وقال إن هذه الأسلحة تم توريدها إلى “القاعدة”. لكن سرعان ما اعتذر بايدن عن تعليقاته، التي بدا أنها تتناسب مع التعريف الكلاسيكي لزلة “كينسلي” -سياسي يقول الحقيقة عن غير قصد- كان خطأ بايدن الوحيد هو حذف دور إدارته الحاسم في مساعدة حلفائها على تسليح “القاعدة”.
وبدلاً من إغلاق برنامج وكالة المخابرات المركزية الذي كان يساعد تنظيم “القاعدة”، قام أوباما بتوسيعه. ففي نيسان 2013، وقع الرئيس على أمر يعدل الحرب السرية لوكالة المخابرات المركزية للسماح بتسليح الولايات المتحدة وتدريبها بشكل مباشر “للقاعدة”، وبعد الاستفادة من التمويل، سمح أوباما لوكالة المخابرات المركزية بتزويد أسلحة أمريكية الصنع مباشرة لها، حيث كانت هيلاري كلينتون مهندسة رئيسية لهذه العملية.
أثبت دعم أوباما “للقاعدة” على أنها واحدة من أغلى برامج العمل السرية في تاريخ وكالة المخابرات المركزية، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عام 2017. كما كشفت الوثائق التي سربها إدوارد سنودن، المخبر عن المخالفات في وكالة الأمن القومي، عن ميزانية تقارب مليار دولار سنوياً، أو حوالي دولار واحد من كل 15 دولاراً تنفقها وكالة المخابرات المركزية.
مع هزيمة الارهابيين المدعومين من الولايات المتحدة وهزيمة أحد أبطالهم الرئيسيين، هيلاري كلينتون، في انتخابات تشرين الأول 2016، واجهت عملية وكالة المخابرات المركزية ما وصفته صحيفة نيويورك تايمز بـ”الموت المفاجئ”. ومع خروج فريق أوباما وبايدن، لم تعد الولايات المتحدة تقاتل إلى جانب “القاعدة”، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة كانت مستعدة لمواجهة العدو الذي ساعدت في تثبيته في مناطق متفرقة من العالم.
لكن في الممارسة العملية، تعاملت الولايات المتحدة مع “القاعدة” على أنها “رصيد” لإستراتيجية الولايات المتحدة. ومنذ استعادة منصبه في عهد بايدن، قام محاربو أوباما القدامى بإعادة تدوير قادة “القاعدة” المحتملين بعد مقتل الظواهري الذي على ما يبدو كان مخططاً له، وهو بالفعل ما بدا وضحاً أن دور الظواهري انتهى حين أجري الصحافي الأمريكي مارتن سميث لقاءً مع أبي محمد الجولاني قائد “تنظيم القاعدة -فرع سورية”، حيث ظهر الجولاني في المقابلة ببدلة حديثة، وحينها لم يكن الإشكال في حوار الصحافي الأمريكي مع الجولاني، إنما الإشكال هو كيف وصل إليه، والرجل مطلوب من نصف أجهزة الاستخبارات العالمية؟.
الإجابة عن السؤال تستلزم معرفة طبيعة العلاقة بين “القاعدة” وأمريكا، وهي علاقة يخلط فيها الكثيرون، إذ يذهب البعض إلى تحميل أمريكا تبعية الأفكار والقراءات المتشددة التي اعتنقها أفراد وزعماء “القاعدة”، لكن الحقيقة أن فكر “القاعدة” هو صناعة تراثية بحتة لا علاقة لأمريكا بخلقها، لكن هناك علاقة لأمريكا بتوظيفها لمصلحتها، ولاسيما في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
معروف أن تنظيم “القاعدة” شاركت في صنعه المؤسسات الأمريكية، واستعانت في ذلك بكل إمكانياتها، حتى هوليوود نفسها صنعت بإيعاز من المخابرات أفلاماً تمجد ما يسمى “المجاهدين الأفغان”، كما أنها أعطت الضوء الأخضر إلى بعض الدول العربية بالترويج لفكرة “المجاهدين”، وتسهيل عملية السفر إلى أفغانستان.
ماذا بقي من القاعدة؟
من منظمة تجسد الارهاب الدولي، حولت “القاعدة” نفسها على مدى عقود إلى لاعب حول العالم، وبعد التدخل الأمريكي في عام 2001، انتشر الارهابيون من أفغانستان إلى مسارح حرب مختلفة، ولاسيما في جميع أنحاء منطقة الساحل.
بعد انتهاء دور طالبان في أفغانستان، وبدلاً من الزوال صدرت “القاعدة” نفسها من أجل البقاء، كما منحتها التدخلات العسكرية الأمريكية حياة جديدة، وكان المكان الأول في العراق، بحيث بات هو المكان الذي تمت فيه أولى صادرات الجماعة، ومع إنشاء “القاعدة” في بلاد الرافدين، تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي في عام 2003 سرعان ما أصبح أحد “أعذار” إدارة بوش، التي اتهمته- خطأ- بالربط بين القاعدة وصدام حسين، بل يقال رسمياً إن الزرقاوي سيسعى إلى تزويد القاعدة بقدرات كيماوية، ومن المعروف منذ ذلك الحين أن هذه الادعاءات لا أساس لها .
ومع ذلك، دار نقاش داخل قيادة “القاعدة” حول الفوائد التي يمكن الحصول عليها من فرع عراقي بقيادة الزرقاوي. انتهى النقاش، لأن القوات الأمريكية قتلت الزرقاوي في حزيران 2006. وبعد بضعة أشهر، اتحدت مجموعات عراقية مختلفة، بما في ذلك تنظيم “القاعدة” في بلاد الرافدين، مع فصائل عشائرية أخرى لتشكيل ما يسمى لاحقاً “داعش”.
وبالتالي، فإن الفرع العراقي “للقاعدة” يذوب في هذا التشكيل الجديد، إن لم يكن الزرقاوي هو مؤسس “داعش”، فهو الأب الروحي لها. في عام 2007، أعلن أيمن الظواهري، الرجل الأول في القاعدة حينها، أن التنظيم لم يعد له وجود في العراق. بالنسبة للبعض داخل الحركة، كان من الضروري بالفعل أن ينأى بنفسه عن أفعال ورثة الزرقاوي وأساليبهم.
منظمة لا مركزية
بعد أكثر من ثلاثة عقود من وجودها، من الخطأ الاعتقاد بأن القاعدة هي منظمة تعمل حصرياً على ضرب الغرب والغربيين، على الرغم من الهجمات التي تُرتكب على الأراضي الأوروبية وفي الولايات المتحدة. الجماعة لديها خلفية إرهابية بقدر ما لها خلفية تمردية وسياسية، والإرهاب ليس سوى وسيلة لخدمة هدف سياسي. لطالما سعت “القاعدة” إلى التداخل في مناطق غالباً ما تكون ساحات حرب قبل جلب الارهابيين. كان هذا هو الحال في أفغانستان والصومال واليمن والعراق وسورية ومالي.. إلخ.
خاتمة
من المرجح أن تستمر “القاعدة” في الازدهار في المناطق التي تمكنت فيها من الصمود أمام الضغط العسكري والأيديولوجي منذ خروجها من نظامها البيئي، سواء في أفغانستان أو العراق أو سورية، حيث لا تزال جميع الأسباب “الموضوعية” التي أدت إلى تطوره الشامل ثم إلى تطور تنظيم “داعش” قائمة. وربما ليست أفغانستان، على الرغم من انتصار طالبان التي تعتبرها القاعدة ملكاً لها، ولا يمثل الشرق الوسط أكثر ساحات التنمية الواعدة، بل القارة الأفريقية. هذا هو المكان الذي تمتلك فيه المنظمة الآن أكثر فروعها نشاطاً، في الساحل والصومال، حيث كشفت نفسها للعالم ظاهرياً منذ آب 1998.
قد تسفر تصفية الظواهري عن عدد من التداعيات، منها توتر العلاقة بين واشنطن وطالبان، وتعزيز شرعية بايدن الداخلية، حيث قد تسهم هذه العملية في رفع رصيد الرئيس في الداخل الأمريكي، ولاسيما أن صورته تشهد تراجعاً كبيراً، وهو ما عبّر عنه استطلاع للرأي أجراه مركز “أسوشييتد برس- نورك للأبحاث”، الذي كشف أن 39 بالمائة فقط من البالغين في الولايات المتحدة وافقوا على أدائه كرئيس، وهو ما ينذر بإمكانية فقدان حزبه الأغلبية داخل الكونغرس، خلال انتخابات التجديد النصفي المزمع عقدها في تشرين الأول القادم. كما جاءت تلك العملية قبل أسبوع من الذكرى السنوية الأولى للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهي الذكرى التي استغلت من قبل الجمهوريين للإساءة إلى الإدارة الديمقراطية، بسبب طريقة انسحابها من أفغانستان، التي تمت بشكل عشوائي. وبالتالي، فإن هذه العملية سوف تساعد على تجاوز هذا الحدث، وتفتح الباب أمام بايدن لاستثمار تصفية الظواهري لتعزيز شعبيته داخلياً.
وربما يكون هناك تأثيرات محدودة على تنظيم “القاعدة” نفسه، لأن المهارات القيادية والتنظيمية لأيمن الظواهري تبدو متواضعة عند مقارنتها بقائد التنظيم السابق أسامة بن لادن، ذلك أن الظواهري كان أقرب إلى مفتي التنظيم منه إلى القائد الحركي الملهم، وليس أدل على تراجع أداء القاعدة، في ظل زعامة الظواهري، إعلان أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش”، وأبي محمد الجولاني، زعيم “جبهة النصرة”، الانشقاق والتبرؤ من التنظيم الأم.