مجلة البعث الأسبوعية

من المسؤول عن تشريعات لا تحقق مصالح العمال؟ وما أسباب إخفاق التنظيم العمالي بمعالجة معادلة الأجور؟

البعث الأسبوعية – علي عبود

حسناً، التنظيم العمالي يرى أن الإختلالات في سوق العمل السورية قديمة ومزمنة أهمها القانون الأساسي للعاملين في الدولة للعام 1985، والسؤال: هل عمل التنظيم العمالي على اجتثاث تلك الإختلالات في القانون الجديد للعاملين في الدولة النافذ حاليا منذ 17 عاما؟

المسألة ليست بتوصيف الواقع كما هو، وإنما بالعمل على تغييره، وسيبقى سوق العمل في سورية مختلا إلى أمد غير منظور طالما الجهات الحكومية تتباهى منذ ثلاثة عقود وعلى مختلف مستوياتها ومتدرجاتها بالعمالة السورية الرخيصة الأجر!

وإذا كان التنظيم العمالي أخفق بإقناع الحكومة بمنح العاملين حقهم بأجر يؤمن الحد الأدنى من مستلزماتهم المعيشية، ويجتث أحد أبرز اختلالات سوق العمل، ولم يفعلها حتى الآن، فمن الذي سيفعلها؟

 

نسخة مشوهة

لو راجعنا نص قانون 1985 لاكتشفنا بسهولة انه تضمن بعض المواد المهمة لصالح العمال لم تنفذها أي حكومة بل إن حكومة (2003 ـ 2011) ألغت هذه المواد غير المنفذة في نص القانون الجديد لعام 2005 والذي لم يُنصف العمال أبدا!

وبما أن التنظيم العمالي لم يعمل، أو عمل ولم يتمكن، من إقناع أو إلزام أي حكومة بتطبيق المواد التي تحقق مكاسب ولو متواضعة للطبقة العاملة، فإنه لم ينجح أو لم يتمكن من تضمين النص الجديد لقانون العاملين مواد مماثلة أو أفضل لصالح العمال، بل يمكن الجزم إن قانون 2005 نسخة مشوهة من قانون 2008 لأنه حرم إمكانية تمتع العمال بأي مزايا فعلية تجتث الإختلالات في سوق العمل.

وبما إن سوق العمل هو من (أبرز قضايا الاقتصاد السوري) فإن السؤال: هل من عاقل يتوقع ألاّ تختل سوق العمل مادام أبرز مكوناتها، أي العمال، لا يتقاضون أجراً يؤمن الحد الأدنى من متطلبات حياتهم وفق ما نص عليه الدستور الدائم؟

    

بأيّ آليات سيفعلها

ليست المسألة بأهمية ( تسليط الضوء على قضية سوق العمل كونها من أبرز قضايا الاقتصاد السوري)، وكأننا لا نعرف الإختلالات المزمنة في هذه السوق، وإنما بتبني مقترحات أو آليات فعالة لمعالجة هذه الإختلالات، وإذا لم يفعل هذا الأمر التنظيم العمالي في العقود الثلاثة الماضية فهل سيفعلها في القادم من السنوات وبأي آليات .. بالاجتماعات أو بالدراسات أو بالمذكرات إلى الحكومة،  أم من خلال تفعيل ممثليه في مجلس الشعب؟

لقد سبق لممثلي العمال في مجلس الشعب في ثمانينات القرن الماضي أن رفضوا قانون الضمان الصحي لأنه لا يؤمن مصالح الطبقة العاملة، وانسحبوا من جلسة التصويت على مواد القانون في مشهد غير مسبوق، لكنه لم يتكرر حتى في جلسة الموافقة على قانون العاملين الجديد الذي حرمهم الكثير من الحقوق.. فلماذا؟

 

سوق طاردة للكفاءات والخبرات

وفيما يتعلق باختلالات السوق أو بحقوق العمال فإن الأمر لا يحتاج إلى الاستماع إلى (وجهات النظر من قبل ممثلي كافة الجهات العامة والخاصة والنقابية والجامعية والبحثية على اعتبار أنها ليست قضية خاصة بالعاملين وحدهم) ، إذ يفترض أن التنظيم العمالي مثل الحكومات المتعاقبة على بينة واسعة بالإختلالات وبآليات معالجتها، ما نحتاجه الانتقال من الاستماع والعرض والاستعراض والمناقشة إلى الفعل الجاد والمجدي بما يتيح اجتثاث الإختلالات في سوق العمل ومن أبرزها الأجور،لأنها وحدها الكفيلة بتأمين الكفاءات والخبرات التي تضخ الحياة في عجلات الإنتاج والاستهلاك..الخ.

ولا يختلف أي أحد مع وصف التنظيم العمالي بأن (الاقتصادات التي تعاني من خلل في سوق العمل هي اقتصادات طاردة للاستثمار)، ولكن السؤال كان ولا يزال مطروحا: أي حكومة منذ صدور قانون العاملين الأول عام 1985 وحتى تاريخه اهتمت بمعالجة الخلل في سوق العمل، بل رأينا معظمها يتباهى بسوق العمل السورية الرخيصة الطاردة للكفاءات والخبرات والمهارات الضرورية جدا للاستثمارات!

 

سوق يزدحم بالتشوهات!

ولسنا مع التنظيم العمالي بأن (الحكومات حاولت مراراً وتكراراً دراسة هذه القضية ولكن جهودها لم ترتق لوضع إستراتيجية شاملة للمعالجة) فالحكومات التي لا تنصف قوانينها عمالها فلن تحصد سوى سوق عمل يزدحم بالإختلالات والتشوهات!.

ولنفترض إن جهود التنظيم العمالي نجحت بالوصول إلى  إستراتيجية شاملة تتصف بالواقعية لمعالجة إختلالات سوق العمل فهل يمتلك قوة إقناع أو إلزام ترغم الحكومة الحالية أو أي حكومة قادمة على تنفيذها ، وهو الذي لم يتمكن من انتزاع أجور عادلة و(دستورية) للطبقة العاملة سواء عبر المذكرات الورقية المرفوعة للحكومة، أو بمخاطبتها مباشرة في مؤتمراته السنوية، أو عبر الآلية التي لم يستخدمها سوى مرة واحدة، وهي بالضغط عليها في مجلس الشعب؟

استنادا إلى تجارب العقود الماضية فإن مصير الدراسات والتوصيات والمقترحات الصادرة عن التنظيم العمالي كان إدخالها سريعا إلى أدراج الحكومة المحكمة الإغلاق!

 

 ما الذي تغيّر؟

وبما أن التنظيم العمالي كشف مرارا بأن (أهم أسباب إختلالات سوق العمل كان قانون العاملين الموحد للعام 1985، والذي قاس جميع عاملي الدولة بمختلف القطاعات، رغم اختلاف طبيعة أعمالهم، ضمن معيار أو مقياس موحد، باستثناء الجامعات والعاملين ضمن قطاع النقل الجوي)، فإن السؤال: ما لذي تغير في قانون العاملين النافذ حاليا، ولماذا لم يتمكن التنظيم العمالي من تغيير واقع السوق القائم منذ عام 1985 إلى سوق باختلالات اقل وليس أكثر؟

ولسنا مع تحميل سياسة التوظيف الاجتماعي جزء من مسؤولية الاختلالات في السوق، فلم يكن من مبرر لهذه السياسة أصلا لو كانت الأجور تناسب الأسعار من جهة، ومع تطبيق تعويض بطالة أسوة بالكثير من الدول من جهة أخرى!

وبدلا من المطالبة بزيادة الدعم الذي يتقلص على أرض الواقع مع تآكل كارثي للأجور فإن راتب البطالة الذي يتحمل عبئه أرباب العمل والعمال هو البديل المناسب للدعم مع أجور منصفة نص عليها الدستور بوضوح تام، وتعمدت جميع الحكومات منذ عام 2012 تجاهلها كي تتهرب من تنفيذها!