هل من عودة للصحافة الورقية؟
ضمن سلسلة ندوات دعا إليها تزامناً مع عيد الصحافة السورية، وتشكل فرصة لطرح تساؤلات الإعلاميين والمهتمين بالشأن الإعلامي، أطلق اتحاد الصحفيين الأحد الماضي أولى ندواته تحت عنوان “مستقبل الصحافة المطبوعة في سورية”، وذلك في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، بمشاركة أصحاب الشأن ومن لهم مساهمة فعالة في الصحافة السورية الأساتذة: وضاح عبد ربه رئيس تحرير جريدة الوطن، زياد غصن مدير عام سابق لمؤسّسة الوحدة، محمد البيرق رئيس تحرير سابق لجريدة تشرين، وحضر الندوة الرفيق د. مهدي دخل الله عضو القيادة المركزية لحزب البعث ورائدة وقاف نائب رئيس اتحاد الصحفيين وعدد كبير من الإعلاميين والصحفيين والمهتمين.
وبيّن محمد الخضر عضو المكتب التنفيذي للاتحاد وصاحب فكرة الندوات في تصريح لـ “البعث” أن عقد الندوة محاولة من اتّحاد الصحفيين لإلقاء حجر في الحياة الراكدة وقراءة مستقبل الصحافة المطبوعة وأسباب توقفها، مؤكداً أن هناك تحدياً كبيراً اليوم في الصحافة المطبوعة في كلّ دول العالم وليس في سورية وحسب في ظل التقنيات الجديدة في الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي التي غزت حياة المجتمعات.
ستعود حتماً
ووصف عبد ربه الندوة وما جرى فيها من أحاديث وحوارات بالعصف الفكري، وأنها محاولات للحديث عن مستقبل الصحافة الورقية، مع تأكيده على عدم قدرة المشاركين والحضور على الإجابة عن سؤال “متى تعود الصحافة الورقية إلى الصدور؟”، خاصة وأنها توقفت بقرار من الحكومة بسبب وباء كورونا، في حين لم يتوقف الإصدار المطبوع في العالم، ولم يخفِ عبد ربه استغرابه إزاء عدم عودة الصحافة الورقية حتى الآن لأنه يعرف جيداً أنه عندما أصبح د. بطرس الحلاق وزيراً للإعلام كان هذا الموضوع أول بند على جدول أعماله.
وأكد عبد ربه إيمانه الكامل أن الصحافة الورقية ستعود حتماً على الرغم من صعوبات العودة، مبيناً أن المشكلة في سورية بالنسبة للصحافة المطبوعة اقتصادية بالدرجة الأولى، فالعالم لم يتخلّ عن الصحافة الورقية لأنها تبقى وثيقة لا تموت، ورأى أن الصحافة الورقية إن عادت فيجب أن تتغيّر بأن تكون صحافة رأي وتحليل وليست صحافة خبر، وأن تكون لديها قدرة على التأقلم مع أنماط إنتاج المواد الإعلامية وأنماط استهلاكها والاتفاق على أن الخط الأحمر في الإعلام هو المهنية، والسقف هو الوطنية، فالصحفي إن التزم بهاتين النقطتين سيقدّم مادة إعلامية جيدة، مع إشارته إلى أن الصحافة المكتوبة أولاً وأخيراً تعتمد على المعلومة، وأن الصحفيين اليوم يعانون في الحصول عليها، مؤكداً أهمية الدعم ليس للصحافة فقط بل للصحفيين أيضاً، فراتب الصحفي أو تعويضه اليوم لا يكفيه مواصلات في ظل الارتفاع المتزايد في أسعار البنزين ليكتب مادة صحفية أو ليجري تحقيقاً ما قد يحتاج إلى عدة أيام لإنجازه، وهذا يتطلّب عقلية جديدة في إدارة الإعلام ورواتب الإعلاميين والدعم المُقدّم لهم.
توقف غير مبرر
وتضمنت ورقة زياد غصن سرداً مفصلاً لواقع الصحافة المطبوعة عالمياً في الوقت الحالي، حيث بيّن تراجع توزيع الصحف العالمية نتيجة منافسة وسائل الإعلام الجديدة مع تحوُّل صحف مطبوعة إلى الإصدار الإلكتروني، في وقت ظهرت صحف مطبوعة جديدة في مناطق شتى من العالم، وإطلاق صحف مطبوعة للتأقلم مع الوضع الجديد مثل إطلاق منصات إلكترونية لها بغية استعادة بعض القرّاء والوصول إلى شريحة جديدة، والعمل على صيغ مهنية جديدة لتعزيز الحالة التنافسية للمحتوى. ورأى غصن أن الصحف الورقية المشهورة لا تزال مصدراً موثوقاً للسياسيين الغربيين لمخاطبة الرأي العام، فبايدن اختار صحيفة “واشنطن بوست” كمنبر له قبل زيارته المنطقة، وبوتين كتب العام الماضي مقالاً لصحيفة ألمانية يومية في ذكرى الهجوم النازي.
وبيّن غصن أن الصحافة الورقية في سورية شهدت فترة ذهبية قبل الحرب في العقد الأول من القرن الحالي، حيث وصل عدد المطبوعات الخاصة المرخصة إلى نحو 200 مطبوعة، وحقّقت الصحف الرسمية معدلات توزيع هي الأعلى في تاريخها، ودخول أكثر من 700 مطبوعة عربية وأجنبية إلى السوق السورية، مُرجعاً ذلك الانتعاش للإصدار المطبوع في تلك الفترة إلى تعديل قانون المطبوعات ومحدودية التراخيص الممنوحة للفضائيات، وعدم انتشار شعبية القراءة الإلكترونية التي نافست بقوة الصحافة الورقية في سورية بعد العام 2011، أي أثناء الحرب التي شهدت – برأي غصن – سطوة السوشيال ميديا في الحصول على الأخبار والمعلومات المتعلقة بالأزمة نتيجة اللغة الجديدة والسقف الأعلى والتفاعلية والمناطقية، ترافق ذلك مع خروج محافظات ومناطق عن دائرة توزيع الصحف المطبوعة، وانخفاض نسب التوزيع وتوقّف معظم المطبوعات الخاصة عن الصدور لأسباب مختلفة وتزايد الضغوط المالية عليها والاهتمام الرسمي بالسوشيال ميديا والإعلام المرئي، إلى جانب فشل جميع المحاولات لتطوير المطبوع.
وتحدث غصن كذلك عن 3 مراحل عاشها ما بين العامين 2011 و2020 كان مساهماً فيها، حيث قدّم مقترحات عديدة لم ترَ النور لأسباب مختلفة، ولم يخفِ غصن أن أزمة كورونا تسبّبت في توقف مؤقت للصحف الورقية في كثير من دول العالم بغية الحدّ من انتشار الفيروس، في حين أن استمرار توقف الصحف اليومية عندنا لم يكن مبرراً، وبحجة أن المستقبل هو للصحف الإلكترونية وعدم فعالية الصحافة المحلية الورقية. وقال: “وكأننا نملك من البنى التحتية التقنية ما يضاهي دولاً كثيرة لا تزال تحافظ على الإصدار الورقي لمعظم صحفها”، موضحاً أن سبب الإيقاف كان نتيجة ارتفاع تكاليف الطباعة والضغوط المستمرة للحدّ من تناول الشأن المحلي وضعف الإمكانيات المادية واللوجستية الموضوعة في خدمة عمليات التوزيع، وضعف التعويضات الممنوحة للصحفيين، مع وجود إدارات غير مؤهلة بناءً على محسوبيات وعلاقات شخصية.
ورأى غصن أن عودة الصحافة الورقية ستكون مجدية لضرورة تفعيل مؤسسات الإعلام التقليدية لمواجهة فوضى السوشيال ميديا، والحاجة إلى بناء مهارات العاملين في الحقل الإعلامي الصحفي وتوفير مصادر جديدة للمعرفة والثقافة لشريحة من السوريين وتوثيق الحياة السورية بكل تجلياتها، إلى جانب تنفيذ سياسة الدولة في شتى الميادين.
لا بد أن تعود
وقدّم د. مهدي دخل الله مداخلة أكد فيها أنه لا يجب أن نقارن بين الصحافة المطبوعة والأخرى الإلكترونية التي لها حساباتها، وكلتاهما اليوم تكملان بعضهما ولا يمكن أن يلغي وجود إحداهما الأخرى لأن لكل وسيلة خصوصيتها، والصحافة الورقية ما زالت موجودة في أرقى الدول وإن قلّ انتشارها، وهي ضرورية ولا بد أن تعود بغضّ النظر عن حسناتها وسلبياتها، وللخروج من الندوة بنتيجة جيدة اقترح دخل الله على اتحاد الصحفيين رفع مذكّرة تضمّ رأيهم والرأي العام للصحفيين بعودة الصحافة الورقية ورفعها إلى وزارة الإعلام وانتظار الردّ.
صناعة ثقيلة
وكان محمد البيرق الذي أدار الندوة قد أكد أن كثيراً من الناس تهمّهم عودة الصحافة الورقية، وهو من حزب المتفائلين بعودتها بعد أن توقفت كإجراء احترازيّ للتصدي لفيروس كورونا، واليوم وقد زال السبب يصبح السؤال: “لماذا لم تعد الصحافة المطبوعة إلى حياتنا؟” فإن كان الجواب: “وجود إعلام إلكتروني كبديل” بيَّن أن هذا الإعلام عبارة عن وسيلة جديدة لا تلغي ما قبلها، ولأن التطوير طبيعي وحتمي، والحياة والتجدّد ضروريان، وحالة صحية على الصحف إن عادت أن تطور محتواها وتعتني بمهنيتها وتتجاوب مع إيقاع العصر ولغة الجمهور واحتياجاته، مؤكداً أنها صناعة ثقيلة تحتاج إلى تمويل مالي عالٍ ودعم حكومي.
أمينة عباس