مزارعو التفاح في حماة يشتكون: السعر في البستان بـ 200 ليرة وفي الأسواق بـ 3000..!
حالة من اليأس تسيطر على من بقي من مزارعي التفاح بعد سنوات من الوعود المعسولة بالوصول إلى حلول جديّة لمشكلاتهم، إلّا أنه وكما جرت العادة لم يحصد الفلاحون سوى الخيبة والخسائر المتكرّرة والديون المتراكمة على مدى عام مثقل بشراء المحروقات والمبيدات والأسمدة على أمل حصاد ثمرة هذا الجهد “في الموسم”، لتكون النتيجة للمرة الألف صفر اليدين والجيوب وحقول تفترشها محاصيلهم بانتظار تسويقها بثمن منصف دون جدوى!
“ع الوعد يا كمون”..!
من يتجوّل في حقول الريف الجنوبي الغربي من محافظة حماة سيجد أطنان التفاح المنتظرة تسويقها ككل عام، وقليل من التّجار الراغبين باستجرار هذا المحصول وأكل الجزء الأكبر من شطيرة التفاح، إذ لم يتجاوز أعلى سعر قدّمه هؤلاء التجار للفلاحين الـ200 ليرة للكيلو الواحد، في حين يفوق سعر مبيعه الـ3000 ليرة في المدن، وسط تجاهل الجهات المعنية حتى الآن إصدار أي تسعيرة لأسعار التفاح في تلك المناطق أو استلام المحصول ككل عام، الأمر الذي دفع الفلاحين إلى إبقاء المحصول على الأشجار وتركه عرضة للسرقة أو افتراش الأراضي به وتقديمه طعاماً للمواشي أسوة بباقي المحاصيل (حمضيات، خيار، ثوم… وغيرها من المحاصيل) التي استفاقت الجهات المعنية كالعادة متأخرة في إصدار قرارات لدعم تسويقها وتعويض الفلاح عن خسارته، فعلى الرغم من مناشدات مزارعي التفاح لهذه الجهات لتقديم الدعم لهم وحصولهم على وعود بتأمين المحروقات والمبيدات والسماد خلال هذا العام، إلّا أن الواقع أثبت العكس تماماً بدءاً من خنوع الفلاحين لعدم الاكتراث الحكومي بهم وشرائهم جميع ما ذكر من “السوق السوداء” وانتهاءً بعدم وجود بارقة أمل بتسويق المحصول أو تأمين التغذية الكهربائية للبرادات في الصيف لتخزينه إلى فصل الشتاء، وفقاً لوعود كانوا قد حصلوا عليها العام الماضي من رئيس اتحاد فلاحي حماة ومحافظها بتأمين المحروقات وتحسين وضع الكهرباء لتفريز المحصول في البرادات.
غياب الشكوى
وفي مطلع كل موسم زراعي يتخوّف الفلاحون من تسويق محصولهم ملتزمين الصمت وسط غياب ثقافة الشكوى والمطالبة بحقوقهم في تسويق منتجهم وعدم خسارتهم، في الوقت الذي تبقى فيه الجهات المسؤولة مصطفة إلى جانب السورية للتجارة تترقب عن بعد الخسارات المتتالية للفلاح لتخرج في وقت غير مناسب بقرار استجرار ما بقي من المحصول بسعر زهيد يلبّي ربحها ويدخل خسارة جديدة في مرمى الفلاح.
خلال تواصلنا مع الوحدات الإرشادية في تلك المناطق أكد المسؤولون فيها عدم تواصل أي جهة مسؤولة معهم لتسويق المحصول، بدءاً من الاتحاد الذي من المفترض أن يكون الراعي الرسمي لهم وانتهاءً بوزارة الزراعة والسورية للتجارة اللتين لا زالتا في طور انتظار ما يجهله الفلاح، في حين تحدث حافظ سالم رئيس اتحاد فلاحي حماة في اتصال هاتفي لـ”البعث” عن عدم ورود أي شكاوى أو تواصل من التنظيمات الفلاحية والوحدات الإرشادية مع الاتحاد بخصوص هذا الموضوع، مشيراً إلى أن مشكلة تسويق المحصول ليست بالجديدة ويجري التعاون مع الجهات المسؤولة كل عام لحلّها ونيل رضا الفلاح والمستهلك وعدم تكبدهم خسائر إضافية، ووعد سالم بإعداد مذكرة بغية تقديمها إلى محافظ حماة بخصوص معاناة فلاحي تلك المنطقة في تسويق محصولهم الموسمي، على أمل توفير تغذية كهربائية لأصحاب البرادات في تلك المناطق.
سوء إدارة
ويُجمعُ أهل الخبرة عن سوء وخلل في إدارة الموارد والمنتجات الزراعية في بلدنا، إذ يرى أكرم عفيف “خبير زراعي وتنموي” أن موسم التفاح كباقي المواسم التي تُباع من أرض الفلاح بأبخس الأسعار، في حين يكتفي المواطن بالنظر إليها في الأسواق بكثير من الخوف من شرائها بسعر مرتفع، واستشهد الخبير الزراعي بمعاناة الفلاحين العام الماضي حين لم يتجاوز سعر كيلو التفاح من تحت الأشجار الـ130 ليرة، في حين حصدنا في نهاية الموسم نتائج سلبية كبيرة نتيجة ارتفاع سعره بشكل كبير، واعتبر عفيف أن موسم التفاح والحمضيات وغيرها من المحاصيل فرصة استثمارية للسورية للتجارة باعتبارها مؤسّسة تدخل إيجابي، مستغرباً عدم قيامها بالتدخل بتسويق المحصول بشكل جيد العام الماضي وتفويتها فرصة تحقيق أرباح خيالية، خاصة وأنّ السورية للتجارة تمتلك كميات كبيرة من البرادات وتستطيع أن تستأجر برادات جديدة من أجل تخزين التفاح.
حلول بديلة
وقدّم الخبير الزراعي مجموعة من الحلول البديلة في إدارة وتسويق المنتج كشراء السورية للتجارة جميع أصناف التفاح من الرديء إلى الجيد والممتاز والعمل على موضوع العصائر، إضافة إلى التفكير بإنشاء معامل خل وهو ما نفتقده، ناهيك عن الاستفادة مما يبقى من “تفل” التفاح كمكّون علفي للحيوانات، منتقداً العقلية الإدارية التي تعمل بها السورية للتجارة، إذ يجب العمل اليوم على إدارة الوفرة التي نمتلكها في الكثير من المحاصيل ووضع حلول للمشكلات التي لا زلنا نعاني منها في سياسة التسعير، ولاسيّما أنّ الفلاح يبيع “ببلاش” من أرضه والموطن يشتري بسعر فوق طاقته. ولفت عفيف إلى أهمية الإنتاج الأسري للخل حالياً والذي يواجه إعاقة بالمرسوم رقم “8” من قبل التموين، فإذا أنتجت أسرة ما “خل تفاح” وطرحته في السوق تعتبرها وزارة التجارة الداخلية مواد مجهولة المصدر وتحتاج لهوية للمنتج، لذا يجب العمل على الاعتراف بهذا المنتج وإعطاء موافقات عليه بدلاً من استيراد الخل مجهول المكونات من بلدان أخرى وطرحه في السوق المحلية القادرة على إنتاج أطنان منه!.
للأسف هي مشكلة كلّ موسم “تفاح”، والذي تكثر فيه الوعود المعسولة وتغيب الحلول الجدية التي تعوّض تعب الفلاح ونفقاته وسط حالة من اللامبالاة المستفزة!!.
ميس بركات