الزراعة العضوية مابين الموضة الجديدة وزيادة الأرباح وتحقيق الأمن الغذائي!
دمشق – البعث الأسبوعية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول سماد الكمبوست وانشغلت الجهات الفلاحية والزراعية بهذا المنتج البديل والذي يعد خطوة متقدمة نحو الزراعة العضوية وبات جزءاً من الخطابات والتصريحات الزراعية في المؤتمرات واللقاءات، ويبدو أنه يحظى باهتمام كبير، خاصة وأنه تمّ اعتماده بشكل رسمي من قبل وزارة الزراعة التي أقامت عدة دورات بهذا الشأن كما تجاوب الكثير من المهتمين والمهندسين الزراعيين بهذا السماد مع تساؤلاتنا عن هذا المنتج “سماد الديدان”، وأكدوا أنه ناتج عن معالجة النفايات العضوية وفضلات الحيوانات بواسطة الديدان، بحيث يحتوي مواد حيوية طبيعية تحتاجها التربة، فهناك المواد الدبالية بنسب 4 – 8 مرات أكثر من روث الحيوانات، وهي مواد فعّالة بيولوجية ومفيدة تماماً للنباتات.
التحول الزراعي
شهدت الزراعة السورية ومثلها الكثير من الزراعات السائدة في معظم دول العالم تحولا لجهة إضافة الأسمدة الكيماوية والهرمونات على المنتجات الزراعية وهو ما يسمى الزراعة الكيماوية التي بدأت بالانتشار منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي وكان الهدف من انتشارها الاستفادة من المكتشفات العلمية، من أجل زيادة الإنتاج ابتغاء تحقيق الأمن الغذائي لمواجهة التزايد السكاني أو لتحقيق الربح. ولكن ما هي إلا سنوات قليلة، إلا وبدأت الأصوات ترتفع من هنا أو هناك، محذرة من استخدام الغذاء الناجم من الإنتاج الزراعي الذي تستخدم فيه الأسمدة والمبيدات ،محملين هذا الغذاء المسؤولية عن تزايد الإصابات بأمراض القلب والسرطان وغيرها من الأمراض الحديثة . ونظراً لأن الزراعة السورية تواجه تحديات عديدة ،من أبرزها ضعف إنتاجيتها قياسياً للإنتاجية الأوربية ، إضافة لنقص المياه وارتفاع أسعار المحروقات ،الأمر الذي سيزيد من تكاليف إنتاج الزراعة المروية ، وأمام هذا الواقع بل المأزق ، لا بدّ من التفكير الجاد باعتماد ميزات وخصائص في الإنتاج الزراعي تجعله مقبولاً عالمياً ومرغوباً باستخدامه ،بحيث تغطي هذه المزايا الفارق في الكم الإنتاجي، أو تدفع المستهلك لشرائه بأسعار أعلى ، وهذا يعني ضرورة التوسع بالزراعة العضوية لتكون هي السائدة على الأقل فيما يتعلق بالزراعات ذات الطابع التصديري .
ضوء على الزراعة العضوية
وضعت وزارة الزراعة الأمريكية في /21/تشرين الأول من عام 2002تعريفاً للزراعة العضوية يقول : منتجات الزراعة العضوية هي منتجات المزارعين الذين يحرصون على استخدام موارد متجددة ، ويحافظون على التربة والمياه للإبقاء على نوعية عالية من سلامة البيئة للأجيال القادمة ،أي أن سلسلة العمليات الإنتاجية لها لا تُستخدم فيها طرق الإنتاج التقليدي ، بمعنى آخر إن تحفيز نمو النبات لا يكون بالأسمدة المصنوعة بطريقة كيماوية، بل باستخدام أسمدة طبيعية كروث البقر أو المواشي الأخرى ، وللقضاء على الحشرات الضارة بالمحاصيل ،لا تستخدم المبيدات الحشرية الكيماوية الصناعية، بل تستخدم مواد طبيعية أو الطيور أو الأساليب القديمة لمنع تزاوج الحشرات وتكاثرها ، ويستثنى من ذلك حالات الأوبئة والجوائح حيث يمكن استخدام مواد مأخوذة من مواد طبيعية.
كما أن من خصائص المنتج الغذائي العضوي ،عدم استخدام المواد الحافظة أو الكيمياء الحيوية أو التعقيم أو استخدام المواد المشعة أو التعديلات الجينية على أن تكون التربة وخلال السنوات الثلاث الأخيرة قبل الإنتاج لم تشهد استخدام الأسمدة الكيماوية ، وهناك أيضاً صفات وشروط للغذاء العضوي خاصة باللحوم والبيض لسنا هنا في معرض ذكرها .
وبمعنى آخر يمكن القول إن الزراعة العضوية هي عودة للإنتاج الزراعي الذي كان سائداً قبل عقود , حينما كان أجدادنا يسمدون الأرض بفضلات المواشي ،وكانت الحراثات المتكررة تهدف لتهوية الأرض وقتل الحشرات،واتباع الدورة الزراعية يزيل الأمراض ويسهم في خصوبة التربة .
وهي أيضاً عودة لما كانت جداتنا يقمن به من أجل حفظ الطعام أو الخضار من موسم لآخر ، وبخاصة استخدام الشمس في طريقة التجفيف كما كان الحال في صناعة رب البندورة ودبس العنب وحفظ البامياء والباذنجان وغيرها .
وجهات نظر
لا يمكن إنكار الصراع القائم ما بين أصحاب النزعتين ، نزعة التوجه نحو الزراعة العضوية ،ونزعة التوجه نحو الزراعة الكيماوية . فمن الملاحظ التوجه الكبير للمستهلك الأوربي والأمريكي نحو شراء المواد الغذائية العضوية , حيث تم افتتاح مخازن خاصة بها ، كما قامت شركات تسويق كبرى من أجلها، وكل ذلك بهدف إيصال المنتج إلى المستهلك باعتباره صحياً خالياً من الأثر المتبقي للمواد الكيماوية المسببة للأمراض، وبخاصة أمراض القلب والسرطان ، وكان من أثر ذلك اهتمام الأوساط العلمية والزراعية والقانونية وحماية المستهلك بالزراعة العضوية من خلال ثلاثة أمور :
الأمر الأول هو ملاحظة أن هناك نمواً سنويا ًمضطرداً وبنسب عالية لإنتاج وتوزيع واستهلاك المنتجات الغذائية العضوية ، وعلى الرغم من أن المنتجات الغذائية العضوية لا تشكل سوى 2% من إجمالي مبيعات المنتجات الغذائية في العالم ،إلا أن هذا السوق يتوسع بخطى متسارعة
ولكن مقابل هذا الحماس الكبير للزراعة العضوية ، هناك العد يدون ممن يعتبرون الزراعة العضوية مجرد (صرعة ) أو موضة جديدة، ويذهب آخرون أنها لعبة جديدة لبعض الشركات التي تهدف لزيادة أرباحها ، ويورد أصحاب هذا الرأي حججاً لا يمكن إغفالها وفي مقدمة ذلك :
لا توجد حتى الآن دراسات طبية متخصصة وكافية تؤكد الارتباط بين الإنتاج الغذائي الكيماوي وبين الأمراض التي تتهم بها هذه الزراعة ، وحينما تعرض الباحثون من معهد (مايو كلينك ) الطبي الأمريكي الشهير لهذا الموضوع كانت أحاديثهم عامة وغير طبية بالمفهوم العلمي الدقيق ، ولم توجه دراسات هذه المؤسسة أية اتهامات واضحة للغذاء المنتج بالطريقة القائمة الآن ، بل اعتبرت المؤسسة لكلمنة نوعي الإنتاج حسناته وسيئاته .
الأمر الثاني الذي أورده أنصار الزراعة الكيماوية أن استخدام التكنلوجيا الحيوية من أسمدة ومبيدات بما في ذلك الهرمونات أدى إلى زيادة الإنتاج بصورة كبيرة، وبالتالي تأمين الغذاء للناس ممن يهددهم الجوع بالموت ، وهذا أمر لا يمكن إنكاره , ومقارنة بين بسيطة لإنتاج دونم من أي محصول مزروع زراعة عضوية مع إنتاج دونم مزروع بالزراعة الأخرى ستظهر الفارق الكبير في الإنتاج وعظمة ما قدمته التكنلوجيا الحيوية في مجال إنتاج الغذاء .
إن سوء استخدام البعض من الفلاحين لمعطيات التكنلوجيا أو المبالغة في ذلك لا تعني خطأ الأمر برمته ، بل يعني هذا خطأ الاستعمال والممارسة ،أو نقص وعي الفلاح واحتياجه للإرشاد الزراعي ، وفي حالة التزامه بالتعليمات الإرشادية من شأنه أن يحقق الهدفين معاً , زيادة الإنتاج وسلامته .
ماذا عن سورية ؟
سواء ناصرنا الرأي الأول أم الثاني ،فإن ثمة حاجة موضوعية للاستفادة من الظروف المتاحة عالمياً ،ونقصد بذلك التوجه نحو الزراعة العضوية، وملاقاة هذا التوجه بل الذهاب إليه وهذا يعني أنه أمام الزراعة السورية فرصة كبيرة لاعتماد هذه الزراعة ، وإن كانت أقل إنتاجية ، حيث يؤكد الخبراء أن نقص الإنتاجية مرحلة مؤقتة، كما أن فارق السعر بين المنتجين الغذائيين يكفل تغطية الفارق وزيادة ، خاصة إذا نجحنا بفتح أسواق عالمية، واعتماد إنتاجنا من قبل شركات مشهورة ومعروفة بهذا الخصوص .
خلاصة
الخلاصة أن الزراعة السورية تواجه تحديات كبيرة ، أبرزها الجفاف والتبدلات المناخية وكذلك ارتفاع أسعار الإنتاج وآخرها المحروقات ، الأمر الذي سيزيد من عجزها وقدرتها على المنافسة مع ولذلك يجب علينا البحث عن مزايا أخرى تبيح لزراعتنا عدم الخروج من الحلبة وهذا الأمر متوفر الآن عبر التوجه العالمي نحو الزراعة العضوية ، فهل نشهد في الخطط الزراعية القادمة مساحات للإنتاج العضوي ووفقاً للمقاييس والشروط العالمية ؟؟