التزام كامل من شركات المساهمة العامة بتطبيق الحوكمة مقابل “تراخ” من بقية الأنواع
دمشق – ريم ربيع
مع تزايد الأزمات الاقتصادية التي تصيبُ الكثير من الشركات في ظروف الحرب والحصار، يزيد مقابلها الاهتمام والتركيز على تطبيق مبادئ الحوكمة في تلك الشركات حمايةً لها ولأصحابها وللمساهمين فيها، حيث تلتزمُ شركات المساهمة العامة المحلية بمبادئ الحوكمة إلى حدّ كبير، مقابل ما يسميه البعض “تراخياً” في تطبيقها في بقية أنواع الشركات بحجة أنه لا يوجد قانون حوكمة خاص بها، إلا أن رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية د. عابد فضلية أكد أن الحوكمة مطلوبة من كلّ المؤسّسات والشركات والوحدات الإنتاجية والخدمية وكافة أشكال الوحدات الاقتصادية، وذلك من خلال قوانين وتعليمات تنفيذية وتوجيهات يعتبر تطبيقها التزاماً بمبادئ الحوكمة، أما في شركات المساهمة العامة، خاصةً المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية فهي ملزمة بشكل قانوني وتشريعي بحسب قوانين تأسيس هذه الشركات ووفق قوانين الهيئة، إذ تطبق الحوكمة فيها وفق أسس ومعايير معينة وضمن ضوابط صارمة لا تهاون فيها للشركات المدرجة.
طالما “تتهرب” فلا حوكمة
وبيّن فضلية أنه يوجد 52 شركة مساهمة عامة في سورية، بعضها متوقف عن العمل، فيما أُدرج منها 28 شركة في سوق الأوراق المالية، وهذه الشركات المدرجة تتعرّض لعقوبات ومساءلة قانونية إن لم تلتزم بمبادئ الحوكمة، لذلك نجد نسبة الالتزام فيها “عالكلمة والحرف”، أما غير المدرجة فقد تكون تقاريرها متواضعة باعتبار نشاطها محدوداً، فيما يطلب من شركات المساهمة الخاصة أو الفردية والعائلية الشفافية وتقديم بيانات صحيحة، ولديهم التزامات للجهات الرقابية تعتبر من معايير الحوكمة، معتبراً أنه طالما يوجد تهرب ضريبي في الشركات فهذا يعني أن معايير الحوكمة فيها ضعيفة.
زيادة الثقة
وأوضح فضلية أنه لا يوجد قانون حوكمة شامل لكلّ الشركات يحكم الجانب الشفاف بعملها، كما في الهيئة، ولا يمكن أن يصدر هكذا قانون نظراً لوجود أشكال مختلفة من الشركات وخصوصية كلّ منها، لكن يوجد لكلّ نوع من الشركات أو الخلايا الاقتصادية قرارات وتعليمات وتوجيهات مجموعها يُسمّى ضوابط حوكمة، وإذا التزمت بها تكون الشركات محوكمة. وأكد فضلية أن الحوكمة تطبق بغضّ النظر عن أية ظروف، لكن يؤخذ بعين الاعتبار التأخر بتقديم البيانات المالية لأسباب قاهرة واستثنائية خلال الحرب، مثل غياب الشركاء الاستراتيجيين غير السوريين عن بعض الشركات وهو غياب مبرّر، وعدا عن ذلك فلا يوجد معوقات جوهرية تحول دون اعتمادها، مبيّناً أن تطبيقها يزيد الثقة بالشركة ويرفع قيمة أسهمها لالتزامها الشفافية.
حماية أموال المساهمين
بدوره الخبير في إدارة المخاطر د. ماهر سنجر أشار إلى أهمية الحوكمة في ظل الأزمات، حيث ترفع من معدل استمرارية الشركات من خلال الحفاظ على استدامة الأنشطة الخاصة بها، كما أنها تحمي أموال المساهمين من خلال رفع معدل الضبط في هذه الشركات، وتساهم بشكل أو بآخر برفع معدل إيرادات الشركات، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد، وضمان حقوق المالكين والمساهمين والأطراف ذات الصلة، وتقليل حالات الغش والفساد، ورفع القدرة على التعامل مع المخاطر.
تطبيق نسبي
ورأى سنجر أنه يوجد تطبيق نسبي لبعض مبادئ الحوكمة ضمن قانون الشركات، حيث خصّ قانون الشركات المساهمة منها بتعليمات تتعلق بتنظيم مجالس الإدارة واجتماعاتها، وانعقاد الجمعيات وغيرها، فكانت هنا اللبنة الأولى للحوكمة، كما أنه ومع السماح بتراخيص المصارف الخاصة، وإصدار قانون خاص بها، ومع انطلاقة أول مصرف خاص في العام 2004 أصبح للحوكمة متطلبات مكتوبة، بما فيها دليل خاص بحسب نوع وطبيعة نشاط الشركات، إضافة إلى إعادة سوق دمشق للأوراق المالية تطبيق مبادئ الحوكمة من خلال عدة أدلة ومواثيق للشركات المساهمة المدرجة في السوق.
وبالتالي -أضاف سنجر- فإن الشركات المساهمة في القطاع الخاص والمدرجة أو قيد الإدراج تلتزم بهذه المبادئ، كما أن الشركات المساهمة المغلقة تلتزم أيضاً لكونها تتبع لجهة رقابية طالبت بذلك، تماماً كشركات التأمين المساهمة المغلقة والتي لغاية الآن لم تدرج كلها في سوق دمشق للأوراق المالية (6 شركات من أصل 12 شركة فقط) لكنها تلتزم بمبادئ الحوكمة منذ العام 2007 وذلك لوجود قرار خاص بالحوكمة من قبل هيئة الإشراف على التأمين، ومثلها المصارف والمؤسّسات المالية، فهي تطبق المبادئ لكون مصرف سورية المركزي قد أحاط بهذه المتطلبات ووضع أدلة العمل، وأدخل عليها التعديلات اللازمة بحسب أفضل الممارسات وبحسب التغير في الظروف العامة.
تعزيز التطبيق في “العام”
ورغم أن الحوكمة مطلوبة حتى في القطاع العام، رأى فضلية أن الكثير من القائمين عليه يعتقدون أنهم غير ملزمين بها، رغم أن الكثير من الشركات والمؤسّسات تحمل طابعاً اقتصادياً، ويتوجّب تطبيق مبادئ الشفافية فيها، فيما اعتبر سنجر أن مشروع الإصلاح الإداري جاء ليعزّز تطبيقها في المؤسسات العامة، علماً أنها طبقت بعض المبادئ بشكل أو بآخر. وبيّن سنجر أن الحوكمة ترتكز على مبادئ سيادة القانون والشفافية والمساءلة والمشاركة والنزاهة والعدالة، إضافة إلى الفاعلية والكفاءة والاستدامة، ومن خلال النظر بتوافر هذه المبادئ أو وضوح نتائجها يمكن الحكم على صحة ومدى تطبيق مبادئ الحوكمة بأية مؤسّسة.
مكاشفة مع الأطراف كافة
وأشار الخبير في إدارة المخاطر إلى أن الحوكمة تنعكس على أداء الشركات وتعزيز أنظمة الرقابة، وتلبية الالتزامات القانونية، لكن أهم الانعكاسات برأيه هي زيادة درجة الشفافية والمكاشفة مع الأطراف كافة، بما فيهم العملاء أو المساهمون، فالغاية من رفع الشفافية هي حماية الحقوق وعدم الانزلاق في مشكلات مالية قد تؤثر على الأطراف كافة، والانعكاس المهمّ أيضاً هو رفع درجة المساءلة وتخفيف حالات الغش والفساد ضمن المؤسسات، لكون الحوكمة توزع الصلاحيات والمسؤوليات، وتعزّز من ضبط الأمور المالية والرقابة عليها، وكل هذا يصبّ في مصلحة رفع نزاهة اتخاذ القرار في المؤسّسات العامة والخاصة، وبالتالي الاستدامة والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيّرة.
المعرفة والإيرادات..
وأشار سنجر إلى أن متطلبات الحوكمة متوافرة لدى الشركات المساهمة، لكن باقي الأشكال القانونية للشركات (الفردية أو العائلية) تطبق -بشكل جزئي دون دراية- بعض المتطلبات وذلك من خلال إعداد بعض السياسات والإجراءات التي تصبّ بمزيد من الرقابة والضبط، أو من خلال تعيين مدير من غير العائلة المالكة للشركة، كما أن تلبية بعض المتطلبات القانونية هي من الآليات الخارجية للحوكمة التي تنفذها هذه المؤسّسات، معتبراً أن صعوبة التطبيق ترتبط أولاً بمدى المعرفة بمفهوم الحوكمة، وبحجم الشركات والإيرادات المتوفرة لتأمين الموارد البشرية.